هناك إشكال في التواصل ما بين وزارة الثقافة والمبدعين، لا يمكن إنكاره، وعليه ربما تفكر الوزارة في خلق سبل للتواصل مع المبدعين وخاصة الشباب.العرب محمد ناصر المولهي [نُشر في 2017/11/03، العدد: 10801، ص(14)] أكد محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية التونسي في حوار تلفزي مؤخرا، أن وزارة الثقافة التونسية تسير في طريق “الإصلاح والإقلاع الثقافي”، مشددا على أن وزارة الثقافة تماشيا مع الواقع الديمقراطي الذي تعيشه تونس اليوم تسعى من جهة إلى كسر المركزية عن طريق تفعيل الجهات، ومن جهة أخرى لم تعد هي الجهة التي تخلق الثقافة، بل تأخذ مسافة من الفعل الثقافي، وتكتفي بدورها التأطيري والدعم. يبدو كلام الوزير التونسي منطقيا، بل ومن أكثر مطالب فئة كبيرة من الفاعلين في القطاع الثقافي أو المنتمين إليه أو متابعيه، بعيدا عن انتقادات فئة من المثقفين والعاملين في قطاعات فنية متعددة تمعشوا من ضبابية المشهد الثقافي، وعدم وجود خط واضح لوزارة تعاقب عليها ما معدله وزير كل عام، منذ نجاح الثورة التونسية (ولو أن نجاح الثورة من تعثرها موضوع آخر) ولو في خلق فضاء من حرية التعبير. واستدل محمد زين العابدين على نجاح الوزارة في الإصلاح بمجموعة من الأرقام، منها مثلا تدعيم 800 جمعية ثقافية بدل 200 جمعية، وتدعيم 3 آلاف مبادرة ثقافية بدل ألف مبادرة التي كانت مقررة بداية، إضافة إلى دعم الوزارة لـ226 فضاء ثقافيا. أرقام أخرى ذكرها الوزير تخص خلق 30 مركزا ثقافيا جديدا في الجهات، وإنجاز 1729 منجزا ونشاطا على مستوى ساحات الفنون بمختلف محافظات تونس. الأرقام التي تسلح بها زين العابدين دفاعا عن مشروع وزارته، طالت حتى عدد زياراته الميدانية التي أحصاها بـ106 تنقلات في السنة. بعيدا عن أصوات المنتقدين الزاعقة والتي ترفع حرف “لا” بشكل اعتباطي، دون أن تقدم بدائل أو تفسر حتى أسباب رفضها، لا يمكن أن يتقدم عمل ما دون نقد رصين متوازن، يثمن المنجز ويبين النقائص بغاية تلافيها والتطوير في الفعل والمنجز الثقافي. ولعل الأرقام التي يستدل بها زين العابدين في كل مرة دلالة عددية مهمة، لكنها لا تعكس النجاح. ربما كانت الأرقام في ارتفاعها وانخفاضها، دلالات مهمة في تحديد النجاح أو النجاعة أو التطور سلبا أو إيجابا في نواح عديدة كالاقتصاد مثلا، ولكن الفعل الثقافي يختلف عن الفعل الاقتصادي، رغم تكاملهما والتواؤم بينهما، ما يجعل الكثيرين اليوم يتحدثون عن البعد الاقتصادي للفعل الثقافي. يبقى الفعل الثقافي مميزا عن الجانب الاقتصادي، في كونه مرتبطا في جانب كبير منه بالإبداع، والإبداع لا يمكن حصره في أرقام، رغم إمكانية خلق إطار نظري علمي له، لكنه يبقى الجانب الأكثر حركة متى جمد مات. كي لا نكون طوباويين هنا، ليس هذا ما يعنينا بالذات، بل سؤال نتساءله، هل تعكس الأرقام التي صرح بها وزير الثقافة، على أهميتها، إقلاعا ثقافيا حقيقيا؟ هل تعكس الانفتاح الحقيقي على الجهات؟ هل ترسم صورة للمشهد الثقافي التونسي في عمقه؟ إذا نظرنا مثلا إلى الكتاب والشعراء التونسيين، سنجد إشكالات كبيرة في ما يخص النشر وغيره، إذا نظرنا إلى المسرحيين سنجد واقعا مشوها لمسألة الدعم وتوزيع العروض وفضاءاتها، إذا نظرنا إلى التشكيليين سنجدهم بدورهم يعانون ضبابية التعامل البيروقراطي والدعم والمعارض، هناك من لا يجد سبيلا لإنشاء معرض، إذا نظرنا إلى حال السينمائيين سنجد الكثير من العقبات أمام الشباب منهم خاصة في ساحة يسيطر عليها “الكبار”، وغيرها من مشاكل كل قطاع إبداعي. لا ينكر محمد زين العابدين أن وزارة الثقافة منوط بها كم كبير من العراقيل والمشاكل، تبدأ من المبدعين أنفسهم ولا تنتهي عند الإداريين والفساد الذي ينخر هذه الوزارة منذ عقود، لكن النشاطات لا يمكن أن تصلح من وضع الإبداع والمبدعين، بل تظل مجرد تظاهرات ينتهي أمرها بنهايتها دون أن تحقق الأثر العميق الذي يجب أن يقدمه الفعل الثقافي، فالفعل الثقافي الذي يموت بانتهائه، ولا يظل مؤثرا، ماهو إلا قطرة ماء تتبخر دون أن تحيي شيئا. هناك إشكال في التواصل ما بين وزارة الثقافة والمبدعين، لا يمكن إنكاره، وعليه ربما تفكر الوزارة في خلق سبل للتواصل مع المبدعين وخاصة الشباب، وغيرهم من أجيال سابقة أو لاحقة، والتفكير في تظاهرات مؤثرة وفاعلة ودائمة، مثل تدعيم النوادي الثقافية والانفتاح على المؤسسة التربوية وغيرها.. فبدل التفكير في الكم، ربما يجب التفكير في الكيف. فكثيرا ما نسمع ثقافة الأرقام هذه، في معارض أو تظاهرات وأفعال ثقافية شتى، ولكنها دون عمق. شاعر تونسيمحمد ناصر المولهي
مشاركة :