الوافدون الذين سقطوا من اللستة! - مقالات

  • 11/4/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا أريد أن أدافع عن أحد، ولا أريد أن أصعد على منبر لأقول للناس ما ينبغي قوله، ولا أريد أن أشير بيد للخطاب السياسي تجاه الوافدين وباليد الأخرى للخطاب العنصري في وسائل التواصل، ولا أريد أن أقول إننا جميعاً بهذا الاتجاه أصبحنا مثل سمك السردين نسير في اتجاه واحد لنسقط في فخ واحد. فقط أريد أن أحكي... وأروي قصص من أقابلهم وأعرفهم... وكل الذين أعرفهم لا لسان لهم في «السوشيال ميديا» أو أعمدة الصحافة... أولئك الذين لا يردون الإساءة بإساءة، أولئك الساقطون من اللستة، هم فقط يرفعون أعينهم للسماء ويهمسون بالشكوى إلى الله، وأنا كعادتي أسترق السمع! عبدالكريم الأفغاني... هو ليس من العمالة الهامشية التي جلبها الكفيل، ليأخذ هو المال ويتكدسوا هم في صناديق سكنية بمناطق أصبحت كقنبلة موقوتة، بل هو من الذين جاؤوا بأحلامهم ودعاء أمهاتهم فأصبحوا محنطين في (الما بين) ما بين نظرة استحقار وما بين الحاجة لهم، وما بين من يدافع عنهم كبشر وبين من يهجم عليهم كمستهلكين. كما أنه ليس من العمالة الإدارية التي جلبتها الحكومة ليعملوا كمستشارين ومعلمين وأطباء وأصحاب ياقات بيضاء، فيستيقظ أحدهم في الصباح وقبل حتى أن يفرش أسنانه ليجد اسمه منشوراً في وسائل التواصل مع كمية قيء على أمثاله! لأنهم أخذوا وظائف أبنائنا ووظائفنا وشاركونا في رزقنا وزاحمونا المستشفيات والشوارع والمطار... ولكنهم إلى الآن لم يزاحمونا الجوامع والمساجد! كما أنه ليس من الذين يعملون في القطاع الخاص، مع (C.V) قوي يجعله يساوم ويتنقل في مساحات لا ينافسه فيها أحد. إنه عبدالكريم الأفغاني الموجود في الكويت منذ 25 عاماً عندما كانت الكويت في حاجة لمن يعيد بناءها، ليتكلم بعد تراكم السنين لغة هي ليست كويتية وليست قريبة من الأفغان... يتكلم «كويتي مكسر»، كلغة تعبر عن حال الهوية فيه، تلك الهوية التي غرست أقدامه هنا واقتلعت جذوره من هناك. عبدالكريم يشبه كثيراً تلك الأم الأردنية التي عاش أبوها هنا ودفن هنا أثناء الدوام الرسمي، أسرة من الطبقة الوسطى أصبحت تعامل هنا كسائحة مع تنامي لغة الخطاب والأسعار وأصبحت تعامل هناك أيضاً كوافدة مع اضمحلال هويتها واكتساب هويتنا. يشكو لي عبدالكريم الرسوم الإضافية التي تتفجر في أذنه وجيبه كل يوم صباحاً... ثم ينفجر من الضحك عند مرور امرأة آسيوية منتفخة البطن يبدو عليها أنها ستضع مولودها الآن، ويردد قائلا «كيف لهذه أن تدفع 400 دينار؟!». وبعد دقيقة صمت يردد: «جئت هنا وشاربي أسود كالليل... لقد أشرقت شمس شعري وابيض الطريق... أين أذهب؟». يرفع عينيه للسماء... وأسترق السمع. عبدالكريم الأفغاني حسب التقسيمة الاجتماعية يعتبر من المساكين الذين يعملون في البر بكرامتهم ومن الذين لا يسألون الناس إلحافاً ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، يعيش دوره كأب مع ابنته الكبرى التي ولدت هنا، ولا تعرف شيئاً إطلاقاً عن هناك، ويقف على عتبة نهاية الأربعين ينظر إلى ابنته الصغرى والتي قرروا كعائلة أخيراً من خلال اجتماع طارئ أن تجلس في البيت بدلاً من مصاريف إضافية في التعليم. عبدالكريم أصبح يعتقد أخيراً أنه يتعرض لحالة إعدام معنوي، لذلك فقد فاتح زوجته في موضوع الهجرة أكثر من مرة، وفي كل مرة يغلق الموضوع بلسان العجز. قال لي أخيراً: «فكرت أن أتقدم بطلب للسفارة السويدية، على اعتبار أنني شاذ جنسياً أعاني من التمييز العنصري، ولكنني أخشى أن أجلب العار لقبيلتي في الأفغان... تلك القبيلة التي لم أعد أعرف أحداً فيها الآن»، ثم استلقى على قفاه من الضحك... ولم أضحك أنا! فجأة قرر عبدالكريم أن يكون رصيناً، بعد أن لاحظ أنني لم أضحك معه... أشعل سيجارة ونظر إليّ ودقق النظر... نفث دخانه في المكان وأشار بيده بلامبالاة وغادر! تجمع الدخان في سقف المكان وتكونت غيمة لم تجد منافس تهوية... فأمطرت رماداً. إن لغة الخطاب الإعلامية تجاه الوافدين والتشريعات المقدمة في مجلس الأمة، حتى ولو لم تنفذ، وعدم وجود قوانين ضابطة لإيقاع العلاقات بين جميع الأطراف في مساحة مشتركة، بالإضافة إلى أثر تراكمي في فشل التنمية، تتحمل مسؤوليته الحكومات السابقة... كل ذلك يعمل بشكل خفي على تبرير نمط محدد من العلاقات الاجتماعية سيكون تأثيره خطيراً جداً على شكل التنوع الموجود في الكويت منذ نشأتها، وهو أحد قيمها ومبادئها الراسخة. وإذا كانت الحكومة تريد تعديل التركيبة السكانية أو استبدال شكل الوافدين بكفاءات قادرة على مواجهة التحديات معنا، فعليها ألا تلعب في ملعب العلاقات الاجتماعية بين طرفين يعملان معاً، ويبنيان معاً، ويعيشان معاً. فحتى لو كانت أغنية الحكومة صحيحة حول التركيبة السكانية، فهناك عيب شديد في صوت المطربين! فشكل العلاقات الاجتماعية يولد أنماطاً لإدراك العالم من حولنا، فإذا كنتم تريدون لنمط علاقات مبني على إهانة واستحقار الآخر لدفعه للخروج من البلد، فسوف تنجحون بالتأكيد ونفشل نحن. فقط، كل ما عليكم أن تفعلوه هو أن تصنفوا هذا الشكل على أنه جدير بالثناء والتصفيق، وإذا أردتم أن تعدلوا التركيبة السكانية عبر خطط مدروسة وتقارير شمولية مع حفظ كرامات الناس في بلد الإنسانية، فكل ما عليكم أن تفعلوه هو أن توضحوا من خلال التصاريح الرسمية أن ما يمارس الآن هو سلوكيات غير مرغوبة. كلامي واضح...أم تريدون أن أجلب عبدالكريم من قفاه وأسند إليه تهمة «نفخ دخان سيجارته في وجه كويتي»؟! كاتب كويتي moh1alatwan@

مشاركة :