الحراك الاجتماعي والثقافة بقلم: حميد سعيد

  • 11/4/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

معظم التحولات الاجتماعية انتهت إلى مركزية تتمثل في سلطة سياسية أو سلطة فكرية، وهذه السلطة في أحسن حالات علاقاتها بالثقافي، تحاول أن تُدْخله في محيط تمركزها.العرب حميد سعيد [نُشر في 2017/11/04، العدد: 10802، ص(15)] الحراك، أي حراك، هو استجابة لما ينتج عن الاعتراض، من وعي، يقود إلى ضرورة التغيير، وبعيداً عن التنظير الذي طالما خذلنا أو خذلناه، سأحاول وصف ما أرى اعتماداً على تجربة ذاتية طويلة، وأجدني متحفظاً حتى في الحديث عما أرى، فما أكثر ما أدخلتنا الحماسة للأفكار النظرية، في حالتي الرفض والرضا، في أن لا نرى الواقع، أو نراه على غير حقيقته، أي كما نتمنى، لا كما هو، وبخاصة حين تعمل الأداة النظرية في مجال فرض استنتاجاتها المسبقة على الواقع، وليس في قراءته وتحليله وكشف مكوناته، أو أن تتعسف في ما تعرف لتجهيل المختلف أو تخوينه. وأظن أن كثيرين منا، عرفوا هذا الحال أو مارسوه، سواء حوصروا في قفص اتهام أو اعتلوا منبر الفقيه الذي لا ينطق عن هوى، لذا سأحاول أن أتحرر من قيود التنظير وشطارة المنظر، وقبل ذلك من أجل تصحيح الرؤية، من دون أن أخشى الصخب الغوغائي المقترن بادعاء التفرد في امتلاك الحقيقة، أو ادعاء حراسة المقدس، أو بادعائهما معاً، وسأصف ما رأيت، مما كان ويكون في أكثر من قطر عربي، على أنه مجموعة انشقاقات تصدر عن حالات اعتراض فردية أو فئوية، غير أنها لم تصل إلى حالة الانشقاق التاريخي، الذي ينتج عن متغير اجتماعي عام وتاريخي، على جميع الصعد. ولأنها كذلك، أو هكذا أراها، نجد هذا التداخل المربك في المواقف، وبخاصة في ما يصدر عن المثقفين من وجهات نظر، وما شهدنا من انتقالات سريعة بين التبني والاعتراض، بين الامتثال والرفض، حتى شاعت مقولة “ركوب الموجة”، هذه المقولة التي طالما استهدفت المثقفين، وهي مقولة لا تخلو من توجه قمعي، حيث لا يريد من أطلقها رؤية الفرق بين التحول الموضوعي الواعي والتنقل الانتهازي، حتى أنها دفعت بكثيرين إلى الاعتزال والصمت، والسلبية أحياناً، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه بأن مجموعة الانشقاقات الفردية والفئوية لم تصل إلى حال الانشقاق التاريخي الذي لا يُنْبَزُ فيه من يفصح عن استجابة للمتغيرات، ويحاول المشاركة فيها، ويُسْتَوعَبُ في إطار المتغير الاجتماعي العام. لا أظن أننا سنختلف كثيراً، حين القول: إن الأنظمة التي اضطر فيها المواطن المعترض إلى مواجهتها بما يمكن من وسائل المواجهة، هي أنظمة انتهت صلاحيتها وما عادت تتوفر على مقومات الاستمرار، حتى بات التغيير، ليس ضرورة حسب، بل هو المآل الذي لا بد منه ولا بديل عنه. ومن نتائج الخلل الضارب في هذه الأنظمة، أنها ما عادت قادرة على تغيير أوضاعها، حتى حين تحاول ذلك، ولأنها ظلت بمنأى عن الوعي بالمتغيرات، يأتي المعترضون القدامى إلى السلطة من دون أمثولة تغيير، حتى كأنهم يسيرون على خطى من سبقهم في التمركز. وفي ما رصدنا، مما كان أو يكون من حراك اجتماعي، يمكن أن نقول بهذه الملاحظات، حيث انتهازية القوى الأجنبية في التعامل مع ما حدث بأكثر من معيار، وارتباك الدور العربي، وبخاصة حين يذهب إلى التطابق مع التوجهات الأجنبية، ومن ثم فرض الموقف بسلاح القوة الغاشمة وسياسات التفتيت. وأخيراً، سأتوقف عند العلاقة بين الحراك الاجتماعي والثقافة، فالمتغيرات الثقافية المهمة، طالما جاءت قبل المتغيرات الاجتماعية، كأنها تمهد لها وتبشر بها، أو ترافقها مفصحة عن جوهرها. لكن معظم التحولات الاجتماعية انتهت إلى مركزية تتمثل في سلطة سياسية أو سلطة فكرية، وهذه السلطة في أحسن حالات علاقاتها بالثقافي، تحاول أن تُدْخله في محيط تمركزها، وتبحث عن حصة فيه، توظفها في جهازها الدعائي، لذا كان التناقض بين السلطة والإبداع، بفعل اختلاف توجهيهما، بين مركزية السلطة وانفتاح الإبداع. كاتب عراقيحميد سعيد

مشاركة :