ابن لادن «البراجماتي» تعامل مع الإخوان «المنظمين» وطالبان «الجهل» وإيران «الخبيثة»

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مفكرة أسامة بن لادن التي يعتقد أن إحدى بناته دونت مافيها، والتي كانت من ضمن نحو نصف مليون ملف قررت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كشف النقاب عنها وإتاحتها للعموم بعد ست سنوات من مصادرتها من مجمعه السكني في ابوت أباد شمال العاصمة الباكستانية إسلام أباد في 11 مايو/أيار 2011، بعد الغارة التي شنتها القوات الخاصة في مشاة البحرية (المارينز) على مخبئه الحصين، تعطي لمحات مفصلة عن الكيفية التي كان ينظر بها زعيم القاعدة الراحل إلى العالم حوله، وتكشف اهتمامه العميق بثورات الربيع العربي التي لم تتح له الفرصة في رؤية مآلاتها.المفكرة التي تضم 228 ورقة تبدأ بالحديث عن ليبيا باعتبارها ممراً ل«الجهاديين» إلى أوروبا، وعن زيارته عندما كان مراهقاً إلى منزل الشاعر المسرحي البريطاني الأشهر وليام شكسبير في ستراتفورد اون ان، والحديث عن الاضطرابات التي سرعان ما عمت عدداً كبيراً من الدول العربية.المذكرات تنقسم ما بين مناقشات والتعبير عن أفكار وتأملات يتشاركها ابن لادن مع أفراد أسرته في مجمع ابوت أباد، وتناولت كيفية استغلال الانتفاضات العربية، وما الذي يمكن الاستفادة منه مع اندلاع الثورات في الشوارع العربية، ومتى يكون لتنظيم القاعدة كلمته فيما يحدث.وقال ابن لادن في المفكرة إن هذه الفوضى وغياب القيادة في هذه الثورات هي البيئة المثلى لنشر أفكار ومبادئ القاعدة.وأشارت زوجة ابن لادن المعرفة في المفكرة بأم حمزة، إلى أن الشريط الذي بثه زعيم القاعدة قبل سبع سنوات، والذي وصف فيه حكام المنطقة العربية بأنهم غير مؤهلين، يمكن اعتباره واحداً من الأسباب القوية لاندلاع الثورات العربية في 2011.ويبدو أن المفكرة تغطي الأحاديث التي كانت تدور بين ابن لادن وابنتيه مريم وسمية وزوجته وولديه خالد وحمزة، والأخير كان والده يعده ويرشحه ليخلفه في قيادة القاعدة.المفكرة التي تحمل عنوان «المذكرات الخاصة لأبي عبدالله:وجهات نظر الشيخ أبي عبدالله- جلسة مع العائلة». وجرت هذه الأحاديث في الفترة ما بين فبراير/شباط وإبريل/نيسان 2011. ودرجت المذكرات على إيراد التاريخ الهجري. والفترة التي سجلت فيها المذكرات كانت الاضطرابات تسود فيها تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.وتنوعت الكتابات حيناً بالحبر الأزرق وحيناً بالحبر الأحمر. وكان ابن لادن يشير مراراً وتكراراً إلى الأنباء الواردة عن الثورات العربية والتي كان يستقيها بشكل أساسي من قناة الجزيرة الفضائية القطرية.وقد انتقد أفراد الأسرة حيناً بث الجزيرة صور القتلى في الثورة الشعبية الشبابية اليمنية، وافترضوا أنه من الأفضل التحذير قبل البث أن المشاهد تحتوي على صور مروعة حتى تتمكن الأسر في المنازل من حجبها عن الأطفال أو منعهم من المشاهدة. لكن قناة الجزيرة كانت تحظى بمديح زعيم القاعدة لأنها «تعمل على إطاحة الأنظمة» و«رفع لواء الثورات».وكان ابن لادن مهتماً بالسرعة التي تندلع بها الثورات في الشارع العربي، وكان يعتقد أن المقاربة المتدرجة من شانها المساعدة في تجنب الثورة المضادة بينما يحاول رموز السلطة التشبث بها بأي ثمن. وقال ابن لادن: «مستاء من توقيت الثورات. لقد قلنا لهم أن يبطئوا قليلاً»، ولم يكن واضحاً إلى أي الدول يشير.عن ليبيا قال ابن لادن، إن الثورة فيها فتحت الباب أمام «الجهاديين». وأشار إلى أنه لهذا السبب تحدث القذافي ونجله سيف الإسلام عن طريق البحر وفتح طريق وأرض جديدة لنشاط القاعدة. وأشار إلى أن ليبيا ستكون صومال البحر الأبيض المتوسط.وكان ابن لادن حريصاً للدعوة إلى دعم «الإسلاميين» في ليبيا، وقال إنه إذا سقط القذافي فإن الولايات المتحدة ستحاول ترسيخ موطئ قدميها في ليبيا.وحظي اليمن بحديث مستفيض من ابن لادن باعتباره أرض الجدود. وقال ابن لادن إن فرع القاعدة في اليمن من أنشط أذرع التنظيم في العالم، واقترح أن تعمل القاعدة على اغتيال الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح، ولا تظهر المذكرات أن ابن لادن كان لديه الكثير من المعلومات حول ما يحدث في المنطقة خارج ما يستقيه من الإعلام. وهذا قد يشير إلى أن زعيم القاعدة كان معزولاً في أشهره الأخيرة في معقله في ابوت أباد بباكستان، حيث عثرت عليه القوات الأمريكية وقتلته في الشهر اللاحق.في الصفحات الأولى من المذكرات، سئل ابن لادن عن أفكاره حول «الجهاد»، فقال إنه كان يفكر فيه منذ أن كان في المرحلة الثانوية.وقال إن هذا نتيجة تنشئته في البيت والبيئة المدرسية.ووصف والده(المقاول عوض بن لادن «بأنه كان رجلاً متديناً. وقال ابن لادن إنه لم تكن هناك جماعة بعينها تقوده مثل الإخوان المسلمين.وقال زعيم القاعدة إنه منذ الصبا الباكر لا يحب التدليل الزائد المفضي إلى الفساد، واستذكر أن رفض قبول ساعة غالية الثمن قدمها إليه والده الثري.واستذكر أيضاً قضاءه الصيف لدراسة اللغة الانجليزية في بريطانيا عندما كان في سن الرابعة عشرة، وأنه زار منزل شكسبير. وقال إن أيامه التي قضاها في بريطانيا لم تكن مريحة وإنه قرر ألا يعود إليها في الصيف التالي.وقال:كنت أنظر اليهم كمجتمع مختلف عنا، وإنه مجتمع فاسد أخلاقياً.وقال ابن لادن إن السعودية ستشعر ب«تسونامي» التغيير الذي يغمر المنطقة، وقال متوجهاً بالحديث إلى الحكام والشباب «إن الفيضان سيأتي وسيقود إلى التغيير، وليست هناك حاجة إلى العنف». وتكشف المذكرات أن ابن لادن كان يحث اتباعه على إيجاد وسائل جديدة لضرب الولايات المتحدة.واقترح زعيم القاعدة مهاجمة مدن أصغر واستهداف القطارات إلى جانب الطائرات. والأهم هو حثهم على قتل أكبر عدد ممكن من الأمريكيين في ضربة واحدة.وقال مسؤول استخباراتي أمريكي إنه رغم أن ابن لادن كان متوارياً عن الأنظار، وفيما يبدو التنظيم الإرهابي يعتريه الضعف، لم يتخل زعيم القاعدة أبداً عن قيادة تنظيمه حتى لحظة مقتله. والمعلومات التي استخلصتها أجهزة المخابرات من مذكرات ابن لادن وملفات الكمبيوتر المصادرة تؤكد أنه كان وراء كل تهديد إرهابي في العالم. وغيرت هذه الملفات الاعتقاد السائد بأن زعيم القاعدة بعد طول اختبائه أصبح بعيداً عنه وعن الأحداث وأن قبضته المسيطرة على أتباعه تراخت.وفي الحقيقة كان ابن لادن دائم التواصل من معقله الحصين بأفرع القاعدة حول العالم، خاصة فرع اليمن الذي تشير إليه المذكرات باعتباره الأخطر على مصالح الولايات المتحدة. وقد اتضح بعد فحص المذكرات أن ابن لادن كان المحرك الملهم لمحاولة الهجوم في عيد الكريسماس 2009، ومحاولة تفجير طائرة فوق ديترويت، والمحاولة التي كادت تنجح في الهجوم على طائرة شحن متوجهة من شيكاغو إلى فيلادلفيا.وكتب ابن لادن في مذكراته لاتباعه «لا تقصروا الهجمات على نيويورك فقط وضعوا في الاعتبار مناطق أخرى مثل لوس انجليس أو مدن أصغر، ونوعوا الأهداف». وكان ابن لادن يجد هوساً في الحساب كم يحتاج ليقتل من الأمريكيين ليقتنعوا بضرورة الخروج من العالم العربي. وقال إن الهجمات الصغيرة ليست كافية ودعا أتباعه إلى هجمات على غرار 11 سبتمبر/أيلول 2001 لإقناع الولايات المتحدة بتغيير سياساتها تجاهه العالم العربي.رغم أن عناصر المخابرات فحصوا بدقة الرسائل المتبادلة بين ابن لادن وأفرع القاعدة المختلفة التي كانت تتم عن طريق «الفلاش ميموري» والتي كان ينقلها «رسل بريد»، إلا أنهم لم يعثروا بعد فحص أكثر من 120 شريحة ذاكرة على أي تفاصيل لمؤامرة أو مخطط لهجوم.وقد عكست مذكرات ابن لادن بوضوح شخصيته البراجماتية، فهو يستغل كل الفرص الممكنة للعمل مع الآخرين حتى ولو لم تكن الأهداف والمبادئ واحدة. ورغم تأكيده في المذكرات أنه لم يكن يتبع جماعة منظمة بعينها مثل الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يمانع في اندماج قاعدة الجهاد العالمية التي أسسها بالجماعة الإسلامية المصرية تحت مسمى القاعدة فقط، كما أنه كان يلهم ويمول ويشرف على أعمال فروع للقاعدة رغم أنه كان لا يتفق مع أساليبها مثل أفرع الجزائر والصومال والعراق.وفوق كل هذا رضي ابن لادن أن يبايع الملا محمد عمر زعيم طالبان أفغانستان باعتباره أميراً للمسلمين رغم اقتناعه الكامل أن الملا عمر رجل شبه أمي ولا ناقة له في السياسة أو معرفة العالم حوله، فضلاً عن ذلك ارتضى ابن لادن بالتعامل مع نظام الملالي في إيران وكانت هناك اتصالات وارتباطات بين الطرفين. وكان ابن لادن كما كشفت مذكراته، يدرك جيداً أن النظام الإيراني «خبيث» الأهداف والوسائل وأنه لا يفعل شيئاً لوجه الله، وأشار إلى أن إيران عرضت استقدام عناصر القاعدة وإيوائهم وتسليحهم وتدريبهم وتمويلهم بشرط أن يعملوا على استهداف المصالح الأمريكية والسعودية على السواء في الجزيرة العربية.

مشاركة :