هذه هي الدفعة الرابعة من وثائق أسامة بن لادن التي تفرج عنها الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» لكنها الأهم على الإطلاق من نواحي مختلفة سواء من خلال التوقيت ودلالاته أو من خلال مضمون ما احتوته تلك الوثائق من معلومات تكشف ملامح مهمة بل غاية في الأهمية سواء من علاقة أسامة بن لادن بجماعة الإخوان المسلمين أو من زاوية الأهداف الاستراتيجية لتنظيم القاعدة خاصة وأن محورا مهما تحدثت عنه الوثائق يخص السعودية وليبيا تحديداً.
لابد من العودة إلى حديث أسامة بن لادن قبيل تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام 1998م، فلقد تحدث بن لادن للمرة الأولى عن مصطلح (تقاطع المصالح) وعاد ليذكر هذا المصطلح في لقاء أجرته معه قناة الجزيرة القطرية في 2001م، بن لادن وآخرون يأصلون دينياً لهذا المفهوم ولهذا العمق ويتخذون من ذلك ذريعة لهم، فلطالما تحدث بن لادن عن علاقته مع الولايات المتحدة وأن ما حدث معهم في أفغانستان كان تقاطع مصالح بين طرفين فالعدو السوفيتي واحد للطرفين آنذاك.
هذا المبدأ متعارف عليه بشكل عميق لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في مصر على يد مؤسسها حسن البنا، لكن هل يمكننا اليوم أن نعتبر حالة أسامة بن لادن هي إثبات ارتباط بين الإخوان ونظام الملالي في إيران؟، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تقاطع مصالح بين الطرفين؟، أيضاً هل تنظيم القاعدة ذراع إيراني كامل؟، هذه النوعية من الأسئلة تطرح متوالية مع وثائق بن لادن، والتقاطعات بين إيران والقاعدة تتمحور في ثلاثة محاور، فالطرفان يشتركان في العداء للولايات المتحدة وحلفائها، الطرفان ينتهجان نشر الطائفية المذهبية، والمحور الثالث الانتهازية لدى الطرفين.
قدمت إيران دعماً لوجستياً كبيراً لتنظيم القاعدة بعد هجوم الولايات المتحدة على أفغانستان فلقد شكلت ملاذاً آمناً لعناصر القاعدة وكذلك عملت على تسهيل وصولهم إلى اليمن ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، وهذا يعود لتوافقات ثابتة تهدف إلى استهداف المملكة العربية السعودية ومصر بشكل رئيسي عبر خلق الفوضى في كل من اليمن وليبيا، وهذا ما أُثبت في الدفعة الرابعة من وثائق بن لادن المفرج عنها في نوفمبر 2017م.
سيكون من المهم دائماً التأكيد على علاقة الارتباط بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران بعد ما كتبه أسامة بن لادن بخط يده، فعلى رغم نفي الطرفين لهذه العلاقة فلقد أكدها بن لادن بل وبتأثره بأفكار الإخوان المسلمين وانتهاج نهجهم القائم على أن الغاية تبرر الوسيلة، فلقد تجاوز تنظيم القاعدة عن الخلافات المذهبية والفقهية مع كل الأطراف سواء كانت إيران أو حركة طالبان لتقاطع المصالح السياسية في اشتراكهم ضد الأنظمة العربية، قبل ذلك نُذكر أن بن لادن تحالف مع الأمريكيين ضد السوفييت.
علاقة بن لادن مع عبدالله عزام وكمال السنانيري كانت تؤكد تأثره بمنهج جماعة الإخوان، وهذه الجماعة لها اتصالها مع آية الله الخُميني وقد نزل في ضيافتهم في ستينيات القرن العشرين المنصرم، لذلك لم يكن من المستغرب أن تبارك الجماعة (السنّية) انتصار الثورة الإيرانية (الشيعية) في 1979م بعد أن أطاحت بحكم شاه إيران، هذا الارتباط أيضاً يقودنا إلى أن الوثائق وضعت تأكيداً قاطعاً على شهادات سابقة لكل من رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد التي نشرت في وثائق لجنة التحقيق الأمريكية في هجمات 11 سبتمبر 2001م فلقد سهل نظام طهران مرور مهاجمي القاعدة.
الإخوان المسلمون كان دورهم محورياً في 2011م فلقد كانت المهمة الأساسية إسقاط الأنظمة العربية، نموذج الصومال كان هدفاً مباشراً يجب أن يكون وهذا ما حدث تماماً بعد سنوات من ضربة الإخوان المسلمين للمؤسسات السياسية في ليبيا واليمن وسوريا، وهنا كانت قطر موجودة سواء من خلال نظامها السياسي أو ذراعها الإعلامي الذي تقوده قناة الجزيرة.
كان أسامة بن لادن يدرك أن يوسف القرضاوي سيمنحه الفتاوى التي تُغطي على كل عمليات القاعدة الإرهابية، وهذا يفسر تماماً تلك الهجمات المتوالية التي عصفت بالدول العربية خلال العقدين الماضيين، وهذا يفسر بشاعة العمليات الإرهابية التي كان جزء منها إدخال الرعب في نفوس الناس والتسليم بواقع الحال الذي تفرضه الجماعات الإرهابية على المجتمعات العربية باسم دعوة القرضاوي لمحاربة الفساد وتطعيم الشعوب بالديمقراطية وإن كانت مخلوطة بدماء الآلاف من الأبرياء.
الفكرة المجنونة التي يؤمن بها أسامة بن لادن ويعتبرها منهجاً هي (تقاطع المصالح) ومنها تأتي التُقية وتأتي كل مسوغات العلاقات المتداخلة والمُعقدة جداً بين الكيانات والأفراد في التنظيمات الإرهابية، وهذا ما يجعل من تجارة المخدرات وغسيل الأموال وحتى الاتجار بالبشر من الأعمال غير المُنكرة عن جماعات التطرف الديني (سُنية وشيعية) على حد سواء فالغاية تبرر الوسيلة وتقاطع المصالح يبرر التدمير والقتل واستباحة كل المحرمات.