الكل يتساءل لماذا جاءت أخبار مصر فوق كل اهتمام بالأخبار العربية الأخرى، هل السبب يعود لوجودها في ذهن المواطن من كل المستويات وأنها رمز القوة الثابت وبدرجة أكثر المرتكز السياسي والثقافي لكل العرب؟ الإخوان المسلمون حكموا عن طريق صندوق الاقتراع ولم تكن الفوارق بين المرشحين شفيق ومرسي كبيرة، وقيل إن قيادة الجيش السابقة هي من فرض سلطة الإخوان تجنباً لأزمات أمنية عندما كانوا مركز الحركة وثقلها في الشارع، لكن مع مرور الأيام بدأت ظواهر الرفض تسود أصحاب الاحتياجات الأساسية من أغذية وغاز وبنزين، وخدمات تناقصت إلى حدود لم تعهدها مصر حتى في زمن حروبها التي خاضتها منذ الخمسينات وحتى السبعينات، والتحدي هنا وصل إلى احتياجات لا دخل لها بالسياسة ولا الدين، وهي، في الأصل، التي حركت الثورة على مبارك، وربما أن الإخوان اعتقدوا أن مصدر قوتهم يفوق من يحتجون بالشارع، وهذا ادراك خاطئ، وبالتالي جاء رد فعل غاضب قاد للمظاهرات والاعتصامات مما دفع الجيش أن يحاور رئيس الدولة وقيادات الجماعة غير أن الاصطدام بالتمنع والرفض فرض الإنذارات ثم التفويض الوطني، ليعلن الجيش وقوفه ضد الفوضى وانزلاق الوطن إلى الفوضى العارمة.. التحرك العسكري أثار أوساطاً دولية وإقليمية مما عزا الأمر إلى أن مصر كادت أن تكون على طريق صعود أزمات تهدد وحدتها الوطنية، فسمّت دول ومنظمات الحدث بالانقلاب، والأخرى بالاعتداء على الشرعية، وثالث بارك تلك الخطوات من منطلق أن خروج الثلاثين مليوناً هتفوا للخلاص هم الصوت الأكبر بقبول الاستفاء والتحرك السريع والمباشر.. افتراض أنه انقلاب فدعونا نره كما فعل سوار الذهب بالسودان عندما قام بالانقلاب وعمل على انتخابات عامة فازت بها حكومة الصادق المهدي، وحتى الآن لا يبدو أن قيادة الجيش المصري تنوي إعادة عقارب الساعة، فهي تعلم أن الشعب المصري أسقط هذا النظام العسكري إلى الأبد ومؤشرات ما فعله الجيش شكل حكومة مؤقتة تقوم بخطوات المرحلة اللاحقة بانشاء دستور وانتخابات عامة وتعديل الكثير من القوانين الأخرى، ومثل هذا الاجراء لم يضعنا أمام الحاكم العسكري الذي يشكل فريق عمله مع البيان الأول، وتعلن حالة الطوارئ وغيرها كما عرفنا بكل الانقلابات العربية منذ الأربعينات وحتى اليوم.. ميزة الجيش المصري أنه يخرج في الأزمات الحادة متلاحماً لا ينتمي لفصيل أو طائفة وحزب، وحتى الإخوان عندما حاولوا الحصول على المعلومات السرية عنه، وإغراق الكليات والمعاهد بأنصارهم، وتشكيل مليشيات موازية أمنية وعسكرية، اصطدموا بحائط غير قابل لوجود ثغرة فيه، وهو ما لم يأخذوه في حساباتهم عندما حل الخميني جيش الشاه وشكل حرسه الثوري بعد إبادة شاملة للضباط وغيرهم في عملية هزت العالم، ثم إن الخميني يعد المرجعية الأساسية في أي انتقال سياسي أو فتوى دينية تأخذ شكل القرار المطلق، بينما في السنّة لا توجد هذه المركزية الثابتة، وحتى قوة القيادة في الإخوان بقيت متماسكة شكلاً تحت وطأة الحاجة، ولكنها بعد الاعتقال برزت الخلافات والانتقادات بينهم ولم يسلم الأمر داخل الصف الثاني ويدلل ذلك أن أي حكم يحاول التفرد بعزل الآخرين تسقطه حتميات شعبية، وهي التجربة التي لابد أن تتعلم منها جميع الحركات المشابهة..
مشاركة :