ملا عبود الكرخي شاعر عراقي قديم، اشتهر بشعره الذي يمثل الواقع العراقي خاصة للفقراء والمعدمين، وتغنى الكثير من مطربي العراق بقصائده ومنهم يوسف عمر.. ورددها العامة. ودواوينه تعتبر سجلاً لعادات وتقاليد العراق، وكذا للهجة البغدادية التي قد نسيها أهل بغداد ذاتهم. نال إعجاب كبار شعراء زمانه كجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وعدد آخر من رجالات الثقافة والفكر والصحافة مثل محمد بهجت الأثري وفهمي المدرّس ورفائيل بطّي والأب أنستاس ماري الكرملي وعلي الشرقي. لا يمكن لدارس تاريخ الصحافة العراقية إلا يجذب انتباهه هذا الاسم الكبير فقد أسس الكثير من الصحف العراقية الهزلية، فكان يسخر شعراً وكتابة مما حوله، ولم يسلم منه مغنون ولعل محمد عبدالوهاب وأم كلثوم من أشهر ممن تناولهم بشعره هجاءً.. نظراً لتقاضيهما مبالغ كبيرة آن ذاك كان يرى أن العراق بحاجة لها.. خاصة عندما غنى محمد عبدالوهاب قصيدة أحمد شوقي تمجيدا للملك (يا شراعاً وراءَ دجلةَ يجري) فتهكم كثيراً على كليهما ووصل للملك ذاته. من أشهر قصائدة (المجرشة) مطلعها: ذَبّيت روحي عالجرش وأدري الجرش ياذيها ساعة وأكسر المجرشة وألعن أبو راعيها ساعة واكسر المجرشة وألعن أبو السّواها إشچم سفينة بالبحر يمشي ابعكسها اهواها إيصير أظلّن ياخلكك متجابلة آنا وياها كلما يقيّرها النذل آني بحيلي ابريها إنها قصيدة طويلة وربما تواترت عبر أجيال وأضيف لها، وهي تحكي قصة تعب وكدح المرأة العراقية سواء الفلاحة أم تلك التي تلقط عيشتها مما حولها. ركز فيها على تلك التي تجرش الحبوب عبر الرحى الصخرية. تلك القصيدة الطويلة جداً والتي قد يتغنى بها الكثير من العراقيين، ربما تطور استعمالها مع التطور البيئي للعراق، أو بمعنى أصح أن المجرشة كبرت واتسعت لم تعد في العراق وحده حتى اتسعت رقعتها وملأت العالم العربي بلداً بعد بلد. مجرشة كبر فوها، ليسعنا جميعاً ويضعنا في داخله لا نملك خلاصاً. ربما نحاول أن نلجأ للأمل لعلنا نهرب من مجرشتنا إليه، الأمل عندما لا يغادر العقل عملا يبقى حبيس تلافيفه، خاصة عندما تغادر أدواته وتتساقط إداة خلف أخرى. المشكلة وجدنا أنفسنا كلنا ندفع للمجرشة، وهي كالنار ونحن الهشيم وطن خلف آخر. قد نضع أملنا في جيل جديد، ولكن المقدمات تنبئ بالنتائج، والإناء يعطي مما وضع فيه. المشكلة أننا نضيع والمشكلة الكبرى أن هناك من لا يشعر بوجوده ضمن أدوات الطحن ولا بحركة الفضائيات التي تسيّر الناس كما سيّر الأطفال عازف المزمار نحو النهر وأغرقهم، وتلك حكاية ألمانية أخرى.. وسيأتي يوم آخر نتحدث عنها.. المهم لا ندري متى تلفظنا المجرشة (كرمي الرحى بثفالها).
مشاركة :