بريطانيا ومعنى الاحتفال بوعد بلفور

  • 11/8/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبد الحسين شعبان نجح صهاينة بريطانيا في حمل الحكومة البريطانية، ولاسيّما وزير خارجيتها السير آرثر بلفور على إصدار وعد لليهود «بإقامة وطن قومي لهم» في فلسطين، وذلك في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) العام 1917، وجاء هذا الوعد بتوافق بين أهداف الحركة الصهيونية وبين المصالح الاستراتيجية البريطانية، خصوصاً ما قدّمه المشروع الصهيوني لها من مساعدات سياسية واستخبارية ومالية، ولاسيّما خلال الحرب العالمية (الأولى).وإذا كان الوعد قد أسّس لمأساة طويلة ومستمرة للشعب العربي الفلسطيني، الذي تم طرد الغالبية الساحقة منه، ولاسيّما بعد قيام «إسرائيل»، وذلك استناداً إلى الوعد الذي أدرج في مؤتمر سان ريمو المنعقد في 25 أبريل (نيسان) العام 1920، والقاضي بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، والذي صادق عليه مجلس عصبة الأمم في 24 يوليو (تموز) العام 1922، والذي تضمّن نصاً بتنفيذ الوعد.وعلى أساسه وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 181 والمعروف باسم «قرار التقسيم» في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) العام 1947، القاضي بإنشاء دولتين إحداهما يهودية والأخرى عربية. وإذا كانت الأولى قد أنشئت وتمدّدت باحتلالها كامل فلسطين وجزءاً من الأراضي العربية، فإن الدولة الفلسطينية لم تقم في حينها، وعملت «إسرائيل»، منذ الاعتراف ب«منظمة التحرير الفلسطينية» من جانب الأمم المتحدة، الممثل الوحيد والشرعي للشعب العربي الفلسطيني العام 1974، على منعها من إقامة هذه الدولة، وكانت محطة اتفاقية أوسلو (العام 1993) واحدة من التسويفات العبثية، للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي لا يزال نافذاً، بل إن «إسرائيل» ذاتها تأسست وفقاً له.والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: لماذا تصرّ الحكومة البريطانية على الاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور؟ أما العرب والمسلمون فهم يستعيدون ذكراه بألم ومرارة، ومعهم قوى التحرّر المناوئة للعنصرية والاستيطان في العالم، باعتباره نكبة حقيقية لحق شعب في الوجود وتقرير المصير، الذي ظلّ محروماً من ذلك، بل كانت معاناته تزداد وتتعاظم مع مرور الأيام.لعلّ الدافع الأساسي لإصرار بريطانيا على الاحتفال بوعد بلفور هو أنه حقق جزءا من أهدافها الاستراتيجية التاريخية طيلة القرن الماضي، لاسيّما محاولتها فرض الهيمنة على المنطقة ومصادرة ثرواتها، تلك التي عبّر عنها بالمرستون رئيس وزرائها الأسبق وزعيم حزب المحافظين منذ قرن وثلاثة أرباع القرن تقريباً(1840) حين دعا لفصل عرب المشرق عن عرب المغرب، وعرب آسيا عن عرب أفريقيا، بزرع كيان يهودي استيطاني في فلسطين، ليشكل مانعاً بين مصر في أفريقيا وبين بلاد الشام والمشرق في آسيا.وكان من ضمن الاستراتيجية البريطانية آنذاك، احتلال فلسطين مباشرة، وتم ذلك بعد شهر واحد من إصدار الوعد، حيث تهيأت الفرصة لتنفيذ مشروعها الإمبريالي المتوافق مع المشروع الصهيوني، خصوصاً وأن هناك اتفاقاً قد تم بينها وبين فرنسا الإمبريالية من جهة أخرى، عُرف باسم اتفاقية سايكس- بيكو السرّية التي وقعها وزيرا خارجيتهما شهر أيار(مايو) من العام 1916، والمتعلقة بتقسيم الأراضي العربية تنكراً للعهد الذي كانت قد قطعته للشريف حسين بمنح العرب الاستقلال إذا حصلت الثورة على الدولة العثمانية.وكان المشروع الصهيوني قد اتخذ بُعداً حركياً، إضافة إلى بُعده التنظيري التوراتي التاريخي والحقوقي، وذلك بعد مؤتمر بال (بازل- سويسرا) العام 1897 بقيادة عراب فكرة «دولة اليهود» تيودور هرتزل، الذي أصدر كتاباً بالعنوان ذاته العام 1896، حيث كانت الخطة تقوم على احتلال الأرض واحتلال العمل واحتلال السوق، إضافة إلى إنشاء مؤسسات تدير ذلك، وخصوصاً الأمنية والاستخبارية منها، والتي أصبحت لاحقاً تُعرف باسم «جيش الدفاع الإسرائيلي» ونواة لجهاز الموساد، لاسيّما عصابات شتيرن والهاغانا والإرجون، وكان هدفها قمع الانتفاضات والثورات الفلسطينية، ولاسيّما ثورة البراق العام 1929 وثورة القسام العام 1935. وكجزء من صفقة العصر الكبرى والمقصود بها وعد بلفور، قرّرت بريطانيا الانسحاب، بعد أن ألقت بالقضية الفلسطينية في ملعب الأمم المتحدة، وحصل ذلك يوم 14 مايو (أيار) 1948، ليتم إعلان دولة «إسرائيل» في اليوم التالي، ولتشهد فلسطين فصلاً جديداً من مأساتها، وما تزال مفاعيل هذه الصفقة قائمة ومستمرة، وليس أدل على ذلك أن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي كانت قد صرّحت أنها فخورة بوعد بلفور وبالدور الذي لعبته بلادها في تأسيس دولة «إسرائيل»، دون مراعاة لمشاعر ملايين الفلسطينيين والعرب، ضحايا انتهاكات «إسرائيل».ويبدو أن بريطانيا لا تريد الاعتراف بخطئها التاريخي، بدليل احتفالها بمئوية الوعد، ومثل هذا القرار الاستفزازي يتطلّب من العرب حكومات، إضافة إلى جامعة الدول العربية، ومؤسسات مدنية وأكاديمية وشركات تجارية ومالية، مطالبتها بالاعتذار والتعويض، والضغط عليها بجميع الوسائل الممكنة المادية والمعنوية لإعادة النظر بمواقفها، خصوصاً وهي تعلن ليل نهار إيمانها بحقوق الإنسان، فكيف تستقيم تلك الدعوات مع تأييد نظام عنصري استيطاني، شرّد شعباً وتنكّر لحقوق ما تبقى منه بإعلانه قيام «دولة يهودية نقية»، علماً بأن بأن العنصرية والاستيطان هما جريمتان دوليتان تستحقان العقاب وليس الاحتفال، بموجب قواعد القانون الدولي. drhussainshaban21@gmail.com

مشاركة :