منع الإخوان من الوصول إلى الحكم واجب أخلاقي وضرورة حضارية بقلم: حميد زناز

  • 11/8/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

منع الإخوان من الوصول إلى الحكم واجب أخلاقي وضرورة حضارية التجارب أثبتت وتثبت دائما أن الإسلاميين إذا حكموا دولة أفرغوا فيها المجتمع من كل شروط التقدم والحياة الحرة والكريمة، ذلك أن أيديولوجيتهم مبنية على قتل الإبداع وإلحاق الفرد بحالة من الرعب والقطيعة والعيش في أوهام الماضي ثم إن الإسلام السياسي يستخدم كل مفردات الحداثة لضرب الحداثة نفسها. وما الديمقراطية في مخططاتهم إلا وسيلة للوصول إلى الحكم من أجل خنق الديمقراطية.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/11/08، العدد: 10806، ص(13)]مصر الثقافة تنتصر على الكابوس الظلامي لم يجن الشعب المصري من أيديولوجية الإخوان المسلمين طيلة ثمانين سنة سوى التقهقر والابتعاد عن قيم العصر. ولا مستقبل لبلد سلّم أمره لهؤلاء سوى الحرب الأهلية. لا هدف لهذه العصابة سوى الانقضاض على الحكم وفرض ما يسمى“شريعة” وهي مجموعة من الأوامر والنواهي لا علاقة لها بإنسان هذا الزمن إذ هي منافية ومعتدية على أبسط حقوق الإنسان. كائنات تهدد بقطع يد السارق وجلد الزانية ودك عنق المرتد ولا يهمها لا اقتصاد مصر ولا حرية المصريين ولا شئ آخر غير “إرضاء الله” ولتذهب المواطنة وحقوق الأقليات والديمقراطية إلى الجحيم. ليس في جعبتهم سوى الوعد والوعيد وترهيب الناس في الدنيا بعنف تنظيماتهم السرية وبعذاب القبر في الآخرة. لو سقطت مصر بين أيديهم مبكرا وحكموها بشكل مباشر لما وجدت مصر التي نحب، مصر الثقافة. لو كان الأمر بيدهم لما سمع أحد صوت أم كلثوم ولا رنات عود عبدالوهاب.. ألا يخطبون في كل جمعة بأن الموسيقى حرام تلهي المؤمن عن ذكر الله وهي من عمل الشيطان الرجيم؟ الدنيا متاع الغرور، لو سقطت أمّ الدنيا بين أيديهم لأصبحت أم الآخرة فلا سينما ولا مسرح ولا من يحزنون. لا آثار فن ولا تاريخ فرعون، ولكانوا قد هدموا حتى الأهرامات حاملة الأصنام التي تغضب الله في زعمهم ولما كنا عثرنا على رسم عتيق ثمين. يقولون إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، ولولا رجال مصر الذين أوقفوا جنونهم منذ البداية لما قرأنا اليوم روايات نجيب محفوظ ولا نقد طه حسين، ولما كنا سمعنا أصلا عن نوال السعداوي وتشريحها لغباءاتهم. لقد بنيت مصر التي نحب ضد مشروعهم الخرافي وستبقى واقفة في صف التقدم رغم أنوفهم ولن تصبح لهم مستعمرة أبدا. يتشدقون اليوم بالـ“شرعية” كأنها أبدية وهم أول من لا يعترفون بـ“الشرعية” إذا جاءت مخالفة لأيديولوجيتهم. هل تسمح أيديولوجيتهم بالاختيار الحر وتعترف بنتائجه لو صوّت الشعب ضد تطبيق الشريعة وفصل الدين نهائيا عن الدولة مثلا؟ هم يعبثون يتحويل أغلبية دينية إلى أغلبية سياسية حزبية وهو ما فعله الإسلاميون في الجزائر وفي السودان وغيرهما. يقول المتملقون إلى الإسلاميين من مثقفين وأساتذة وصحافيين ومعلقين إن الإخوان مصريون ولهم الحق في حكم مصر وأقول لهم إن النازيين كانوا أيضا من الألمان الأقحاح وكذلك الفاشيست من الطليان. ومع ذلك حوربوا وهزموا ولم تبق منهم سوى أقلية لا تصل إلى الحكم إطلاقا في كلا البلدين. كيف يمكن الحديث عن “شرعية” تلغي كل الشرعيات الأخرى وتحصر الفعل الديمقراطي في الانتخابات؟ لا معنى لانتخابات في غياب مؤسسات حقيقية ودستور توافقي. الديمقراطية هي حماية الأقليات أولا، هدفها الأصلي هو منع التغوّل والهيمنة ولا يبتغي الإسلاميون وفي كل مكان غير تطبيق الشريعة وهي تغوّل وهيمنة وإقصاء بامتياز.مع وجود أحزاب إسلامية وفي هذه المرحلة بالذات والتي تنعدم فيها أبسط المؤسسات الديمقراطية الحديثة الضامنة للتعدد الفلسفي والثقافي والسياسي، يصبح الحديث عن الديمقراطية والانتخابات ليس من العبث فحسب بل من قلة الحياء يحاول المنظّرون للدولة الإسلامية التي يحلمون بها، ترسيخ مفاهيم خاطئة تماما عن الديمقراطية إذ يقدمونها للناس على أنها مجرد شورى وعلى أننا أمة إسلامية واحدة، لا يختلف أفرادها لا في طموحاتهم ولا في أفكارهم ولا في معتقداتهم ولا طريقة حياتهم. ويذهبون في تدمير الديمقراطية إلى أقصى مدى حينما يحصرونها بل يسجنونها داخل صندوق الاقتراع من خلال استثمارهم واستغلالهم لفكرة سخيفة وساذجة هي وجوب رضوخ الأقلية للأغلبية. هل من الديمقراطية في شيء أن نفرض فلسفة الحياة وأسلوب عيش اعتمادا على ميزان الأغلبية والأقلية؟ هل يمكن أن ننظم انتخابات قبل وجود عقد اجتماعي واضح المعالم؟ كيف يمكن المشاركة في لعبة لا أحد يعرف ضوابطها وقوانينها؟ ما جدوى الاقتراع لفائدة رجل أو امرأة ليتولى مسؤولية ما في الوقت الذي لم نحدد بعد لا مهامه ولا صلاحياته ولا كيفية إدارة ذلك القطاع الذي سيشرف عليه. ليست الانتخابات أصل الديمقراطية كما يريد أن يوهمنا الإسلاميون ومن يدور في فلكهم بل هي طريقة في اختيار من يدير البنيان المؤسساتي للدولة، والذي هو أساسا الفصل بين السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهو أساس وشرط المرور من دولة الإيمان الأوحد إلى دولة المواطنة. وحينها فقط تكون حرية الضمير والتعبير وأسلوب العيش مضمونة لا يصح حولها لا شورى ولا استفتاء. كيف يمكن أن أقبل استفتاء أو انتخابات قد تحرمني نتائجها من ممارسة حياتي الشخصية والتفكير والتعبير كما أريد حتى وإن كان ذلك خلافا للأغلبية الساحقة؟ وهل يمكن أن تصبح هويتي الشخصية ضحية لباتولوجيا الغير، مهما كان عدد هذا الغير؟ متى يفهم القوم أن الديمقراطية وسيلة لحماية الأقلية وليست سحق الأقلية؟ كيف يمكن ائتمان من يعتبر أن هناك شريعة نزلت من السماء وينبغي تطبيقها بغض النظر عن رأي الناس فيها؟ من المضحك حقا أن يدّعي من فاز في انتخابات في بلد عربي كما حدث مع الإخوان والسلفيين في كل من الجزائر ومصر وتونس أن صناديق الاقتراع قد تكلمت وتلك هي الديمقراطية! والأكثر إثارة للسخرية من ذلك هو حينما يختم أحد قادتهم خطبته بابتسامة ماكرة وحمدلة طويلة عريضة وتقديم الشكر الجزيل للمواطنين الذين انتقلوا عن بكرة أبيهم لتزكية الديمقراطية. عن أي انتخابات وعن أي ديمقراطية يتحدث الإخوان؟ هي بيعة بايع فيها أغلب الناس الأصوليين كما كانوا يبايعون الذين من قبلهم. ولئن كان العربي المسلم مرغما في الماضي بقوة النار وشهوة الدينار فاليوم هو مرعوب من نار جهنم وبئس المصير، فكيف لا يصوّت لحزب يزعمون أنه يمثل مشيئة رب العالمين؟ من ادعى قبل هذه الكرنفالات الديمقراطية أنه لم يكن يعرف نتائجها مسبقا فهو إما كاذب أو مداهن أو لا علاقة له من بعيد أو من قريب بما يجري على أرض العرب. في أي بقعة من بقاع هذا العالم المغبون ودون استثناء، لا ينبغي التكهن بنتائج أي انتخابات تجرى بل التكهن عن الكيفية التي سيسحق بها الإسلاميون غيرهم؟ ولا علاقة لذلك لا بالحملات الانتخابية ولا بالبرامج ولا بالرجال، إذ لمن يصوّت إنسان وضع في موقف ميتافيزيقي حرج لا صلة له بالسياسة وإنما هو أقرب لمسائل الغيب؟ أحمق ومستلب من يعطي صوته لكائن بائس علمته العائلة ثم المدرسة والمساجد والإذاعة والتلفزيونات وكل المحيط، أن الدولة الإسلامية هي المثلى وأن العدل لا وجود له سوى في الشريعة وأن كل ما يأتي من الغرب كفر إلا المرسيدس والأدوات التي تخدم الإيمان والبطن. مع وجود أحزاب إسلامية وفي هذه المرحلة بالذات والتي تنعدم فيها أبسط المؤسسات الديمقراطية الحديثة الضامنة للتعدد الفلسفي والثقافي والسياسي، يصبح الحديث عن الديمقراطية والانتخابات ليس من العبث فحسب بل من قلة الحياء. يقول اينشتاين “الجنون هو أن تقوم بنفس الشيء عدة مرات وتأمل أن تحصل على نتائج جديدة”. وهذا ما يقوم به العرب تجاه الأيديولوجية الإسلامية منذ قرون وقرون.

مشاركة :