الكتابة الساخرة مرارة - سعد الحميدين

  • 9/11/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

"كان العم الجودي حريصاً على سمعته كأفضل بائع شلغم في الحلة، فالدبس الذي يضيفه لماء السلق يجلبه من مسبج (مكان صناعة الدبس والخل) الحجي علوان، الأفضل في الحلة".. (نوفل الجنابي) *** في هذا الزمن، وهو زمن الخريف العربي.. الذي برز فيه التشتت والتفكك مع امتهان كرامة الإنسان تحت شعارات تدثرت بلبوس يحمل شعارات تدعي الإسلام، ولوت رقبة الزمن إلى الوراء قرونا عديدة صار فيها الإنسان بلا قيمة، إذ ينظر إليه عند البعض كحشرة تستحق الإبادة فتداس كرامته باسم الدين، ويذبح كما النعاج، فيقتل المسلم أخاه المسلم تحت تلك الشعارات المشبوهة التي طال أذاها الإنسان في مواقع كثيرة ونال الآخر الذي هو بدوره قد رفع في درجة صدها وهو يحاول التوجيه إلى طريق سليم يكفل كرامة الإنسان الذي كرمه الله، وقد كثر القتل وسفك الدماء البريئة بغير حق في توجه ليس له ملامح سوى من هنا الطريق إلى اللاإنسانية، حيث يتمدد الإرهاب وينتفخ ويجد من يمهد ويساند مغيباً قيمة الإنسان الذي يعمل للأمن وسعادة العيش كما هو معنى الحياة الحقة، ولكن غسل الأدمغة وهوان النفس الذي حشيت به أنشأت سحابة سوداء تفتقد الرؤية السليمة، غير أن الأمل فيمن يعمل من أجل قطع دابر هذه التوجهات التي أخذت تنهش بعضها، ولكن ضررها يطال المسالمين والباحثين عن الاستقرار والسعادة والعيش والأمن. في هذه الأيام صدر كتاب عن دار المدى للكاتب العراقي نوفل الجنابي بعنوان (الحلّة عاصمة السخرية العراقية المرة وذكرى الساخرين) والعراق يشهد أنحس وأصعب الأيام، حيث دون فيه بعضا من المواقف الساخرة (المرة) التي تكون فيها مادة للسخرية مع اتباعها بالشفقة والحسرة، وهناك حكايات كثيرة – تُضحك وتبكي- إذ تبدو فيها مرارة السخرية المتأتية من واقع بئيس سأورد بتصرف بعضا منها، ومن أراد الاستزادة أحيله إلى الكتاب الذي تخطت صفحاته الأربعمئة صفحة. عند وصف الكاتب مدينة (الحلّة) الطبيعي يتذكر:" فلاحون جمعوا خضار حقولهم على ضوء القمر، ثم حملوها على دوابهم قبل شروق الشمس التي توقظ حرارتها زغب الخضار وتحوله أشواكا ومخالب. يقطعون الطريق من قراهم القريبة إلى السوق بالحديث الذي لا تتبين منه جملة واحدة، مهما حاولت، فلكل اثنين منهم حكاية، ولكل حمار من حميرهم لهاثه ووقع حوافره. أكثر من خمسين حمارا يخترقون غبش الحلة عابرين الجسر إلى نهارها، محمّلين بأكداس الخضار التي جاؤوا بها للبيع، والتحية أيضا. حين كانوا يمرون عابرين الجسر، يصرخ واحدهم، بالصوت الجهير: السلام عليكم. قبل أن ترد ب (وعليكم السلام) يمد صاحب التحية يده إلى كدس خضار جالس عليه، ويسحب منه ما تيسر ويطيّر نحوك خيارة ريانة أو قثاء معقوفة، أو حتى باذنجانة حالكة السواد مازالت تحمل رائحة غصنها وأوراقه. قبل أن يصبح الضوء شمساً، يتسلل صبية الفجر جامعو القناني الفارغة، يتسابقون بصمت ليتخاطفوا ما خلّفه ثملو الليلة الماضية، ندامى النهر وجلاّسه الأزليون، العائدون ثقال الخطى إلى بيوت لا تنتظرهم".

مشاركة :