غياب المسرحيات كتابة - سعد الحميدين

  • 11/7/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عرف المسرح بأنه أبو الفنون، وذلك لكونه يتحوي على جميع ما يندرج تحت ما يسمى فن إلا ما ندر، وما ندر لا حكم له، فالموسيقى والشعر والرواية والقصة والرسم والخطابة والتمثيل، من المكونات الأساسية للمسرح، وقد تخصص كتاب كبار في كتابة المسرحيات الجيدة، وشارك كاتبون من الروائيين والقصاصين في الكتابة للمسرح كذلك، وقد كانت كتابة المسرحيات ليس لتقديمها على المسرح فقط إذ كان بعضها يكتب للقراءة، وكثير من المسرحيات كتبت ولم تمثل، إلا بعد وقت طويل من كتابتها حيث استحسنها مخرج وطلب من كاتبها أن تكون له أحقية إخراجها إن سمح، وربما استولى بعضهم على مسرحية يفاجأ كاتبها بمثولها على المسرح. لقد برز كتاب في العالم واشتهروا بكتابة المسرحيات، مثل شكسبير، وسوفو كليس، وبرنارد شو، وتنسي وليامز، وعزيز نسين، وفي العربية اشتهر توفيق الحكيم، وسعدالله ونوس، ومحمد الماغوط، ويوسف ادريس، ونعمان عاشور، وعلى سالم، وغيرهم من الكاتبين وقد كانت كتابة المسرحيات متوالية وكثير من الكتاب كان يهتم بكتابة المسرحية، والمسرحيات التي كانت تكتب كانت العناية بها من كتابها عالية الدقة لكي تكون رفيعة المستوى، وقادرة على مجاراة الرواية، أو متفوقة عليها. لقد انحسر هذا الاهتمام بكتابة المسرحية في الوقت الراهن حيث التوجه نحو الرواية قد ساد وحوى ما ارتفع وانخفض، وجمع الهش والرديء مع الرفيع والجيد، فكان الخليط والتتابع في النشر. ورصدت الجوائز التي جلبت الكتاب إلى هذا الفن الذي سيكون الحكم للزمن؛ لأنه هو الفاحص والناقد الذي يفرز الجيد من الرديء، وذلك يمثله البقاء مع مرور الزمن، وهذا ما حصل لأعمال كثيرة كانت مهملة وقت صدورها ولكن بعد عقود طويلة مثلت وكأنها كتبت لهذا الزمن. إن التشاؤم من كثرة الإنتاج الروائي عند بعضهم لا مبرر له، إذ إن في هذه الكثرة ما سيكون يوما له مكانة مرموقة، وكل شيء سيصبح في مكانه اللائق به سواء سلباً أو إيجاباً، فما دامت المطابع ودور النشر تعمل وهناك من يكتب فإنك لن تستطيع مهما فعلت أن تغير في واقع الأمر الحاصل، فاستقبل، أو اعرض، ولكن الكتابات ستستمر إلى أن يطرأ توجه نحو فن آخر، فقد كان الشعر، ثم القصة القصيرة، ثم الرواية. لقد كان زمن الشعر ودور النشر يؤمها الشعراء، وتبحث عنهم وتغريهم، ثم جاءت القصة القصيرة لتحتل المكان واستقطبت كثيرين من الكاتبين والقارئين وكان زمنها، ثم حلّت الرواية الآن ومثلت الفن الأوحد لدى كثيرين ومازالت مستمرة، ولكن لابد من قادم ومن سيحدد ذلك هو الزمن أيضا. فالمسرحية التي كانت سائدة في العالم العربي، وبرع فيها كتاب مسرحيون على مستوى رفيع كتوفيق الحكيم، وسعد الله ونوس، ويوسف إدريس، وخصوصاً الحكيم وونوس وبعد رحيلهما كانت الانتكاسة ومازالت مسرحياتهما تطبع طبعات متتاليات، ويقبل عليها القارؤون لأنها تلامس الأنفس وترسم التوجهات في حياة الإنسان، فهي تدخل إلى أعماقه بما تحمله من موضوعات يفكر فيها ويعيشها، وذلك لأن من كتبها ليس للتسلية إنما للإفادة، ويهدف إلى تثقيف المجتمع بمعالجات القضايا المهمة في حياة الفرد والمجتع، قضايا ماثلة تحتاج إلى تسليط الأضواء عليها بطرائق فنية قائمة على العمق والتحليل حسب إمكانات كل منهما. فمسرحيات الحكيم كانت لها مدلولاتها وموضوعاتها بين سياسي واقتصادي واجتماعي، كذلك ونوس، وقد اشتهرت مسرحياتهما وانتشرت بين القراء في العالم العربي، فمسرحيات مثل: (أهل الكهف، براكسا، شهرزاد، ومصير صرصار، بنك القلق، ويا طالع الشجرة، ورصاصة في القلب) لتوفيق الحكيم، لها مكانتها الراقية في الفن الرفيع شكلاً وموضوعاً، وعند سعد الله ونوس مسرحيات مثل: (مأساة بائع الدبس الفقير، وحفلة سمر من أجل حزيران، ومغامرة رأس المملوك جابر، وسهرة مع أبي خليل القباني، والأيام المخمورة) كذلك هي في موضوعاتها تسبر أغوار المجتمع بطريقة فنية لافتة بوأته مكانة مرموقة في فن كتابة المسرحية حيث ترجمت كما ترجمت أعمال الحكيم إلى اللغات العالمية، وما ذلك إلا لكونها من الأعمال التي تستحق البقاء. سؤالي أين كتّاب المسرح اليوم عن كتابة مسرحيات تستحق البقاء، ولماذا العزوف عن كتابة المسرحيات الجادة المتكاملة، المعالجة قضايا الحياة الآن؟ سؤال سيبقى معلقاً إلى متى؟ لست أدري..

مشاركة :