الكعبة التي في خاطري | سراج حسين فتحي

  • 9/12/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تربطني بالكعبة بيت الله المعظم علاقة قديمة جدًا،بدأت منذ بلغت من العمر أربعين يومًا، حيث كانت البداية، وقد مر بهذه التجربة النادرة معظم أبناء جيلي ومن قبلهم، فقد كان من عادات أهل مكة المكرمة أن الأم الوالدة وبعد انتهاء مدة النفاس أربعين يومًا تذهب ومعها بعض أهلها إلى المسجد الحرام ليطوفوا بالبيت العتيق، وكان من ضمن مراسم هذا الاحتفاء الجميل أن يوضع مولودهم على عتبة الكعبة المشرفة للبركة، كانت عادة جميلة جليلة، والمهم أني تعلقت بالكعبة المشرفة وما تزال تشغل حيزًا كبيرًا في حبي وعشقي الكبير الذي لن يذوب في خضم هموم الحياة بإذن الله. وقد شرفني الله بفضله أني نشأت بمكة المكرمة وترعرعت وتشربت حبها وعشقت هواءها وسماءها، وكان من فضل الله عليّ أن ارتبطت ببيت الله العظيم ارتباطًا عميقًا منذ نعومة أظافري مما جعل له مكانة في قلبي لا تضاهى، ولذلك فقد التصقت خلال فترة الصبا والشباب بالمسجد الحرام صلاة وطوافًا واستمتاعًا بالنظر إلى الكعبة المشرفة، وخاصة بعد صلاة الفجر حتى إشراقة الشمس حيث كنت أجلس مع بعض الأصدقاء نبدأ يومنا بالطواف ثم التضلع من ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض، ثم نخرج نتجول في أنحاء مكة المكرمة وتناول الفطور المكاوي (الفول والمعصوب) ثم نعود بعد ذلك كل إلى بيته، وفي فترة من سنوات الشباب وكنا آنذاك نسكن بجوار المسجد الحرام (باب العمرة) نغتنم الفرصة في سويعات ما بعد صلاة العشاء حيث يخلو المسجد من الازدحام فنتمتع بالطواف وتقبيل الحجر الأسود وحيث الهدوء والسكينة دون ضجة أو مضايقات!. وليست صلاة التراويح خلف الشيخ عبدالله الخليفي بأقل متعة، فقد كان الرجل -يرحمه الله- يحلق بنا في سماوات كتاب الله بخشوعه وبكائه ودعائه وخاصة في صلاة الوتر، كما أن الشيخ عبدالمهيمن أبوالسمح كان له نكهة خاصة في صلاة التراويح أو صلاة العشاء. ومن الذكريات اللذيذة عن بيت لله الحرام تناول الافطار في شهر رمضان مع بعض الأصدقاء، ناهيك عن صلاة القيام (التهجد) وصلاة الجمع وعيد الفطر، ولم أجد حتى اللحظة متعة تضاهي أداء عموم الصلوات وعيد الفطر خاصة كما الحال في المسجد الحرام، خاصة عندما تبدأ جنباته تردد تكبيرات العيد فيطير الحمام يمنة ويسرة مع أسراب العصافير التي تزقزق وكأنها تعيش الفرحة مع البشر، ورغم الازدحام الكثيف الذي كان يعايشه رواد بيت الله خلال صلاة العيد إلا أنه كان بالنسبة لهم ذو متعة خاصة ففرحتهم بالعيد تنسيهم أية مزعجات، فقد كان أكثرهم يسعى إلى الحرم من أحياء بعيدة مشيًا على الأقدام رجالا ونساء وأطفالا، وهذه في حد ذاتها متعة خاصة!. ومن الذكريات الجميلة عن بيت الله الحرام «دكة الشاولي» والتي كانت تقع على يمين الخارج من باب السلام القديم، وهي أحد مجالس أبي -يرحمه الله- في المسجد الحرام، وكان من أبرز مرتاديها الشيخ محمد مرداد وهو أحد علماء المسجد الحرام، أما عائلة الشاولي فهم من ضمن الزمازمة الذين يقومون بتوفير الزمزم للحجاج في مساكنهم بواسطة الدوارق والتي كان يحملها عمال العائلة إليهم، وكانت هذه العائلة تتميز بالطيبة وحسن المعشر وهم بعض أصدقاء أبي -يرحمه الله-، وكان يواظب على أداء المغرب والعشاء معهم غالبًا وفي بعض الأحيان صلاة الظهر إن كان قريبًا من تلك الجهة، ومن ضمن من كان يأتي لهذه الدكة المؤذن والجسيس المشهور العم حسن لبني -يرحمه الله-، وكنت أحيانًا أرافق أبي إلى عرفات حيث المظلة المجاورة لجبل الرحمة وهي مكان يقضي فيه يومين أو ثلاثة أيام بلياليهن مع أصدقائه عائلة الشاولي ومعارفهم حيث الهواء النقي ونسمات الليل الرقيقة اللطيفة!. ومما لا يمكن نسيانه أو تناسيه معايشتي لمشروعات توسعة المسجد الحرام منذ الطفولة وحتى انتهاء التوسعة الأولى، كما أني وبحمد الله عايشت مشروع التوسعة الثانية التي انتهت قبيل سنوات، وأنا اليوم أعايش بداية مشروع التوسعة الثالثة وهي الأضخم دون شك، ولعل الله أن يبارك فيها وتكون عونًا للمسلمين في أداء مناسكهم وعباداتهم بيسر وسهولة، وان إزالة المباني القديمة (العباسية) وهي رغم جمالها وتاريخها العمراني إلا أنها وبكل صراحة كانت عائقًا لرص صفوف المصلين بطريقة سليمة تتناسب والتوجه نحو الكعبة، فقد كانت كل الصفوف متقطعة لا تكاد تجد صفًا واحدًا متصلا، وهذا لا يمكن قبوله عند ذوي العقول المنصفة وبعيدًا عن العواطف الطيبة فالقضية أداء عبادة مفروضة وليس التغني بجمال المباني والمحافظة عليها لمجرد أنها تاريخية، ولذلك فإن التوسعة الحالية هي أشبه بمبضع الجراح المتمكن الذي يريد اصلاح خطأ فادح فكان لابد من الألم ولو على حساب المشاعر والعواطف، وستكون النتائج مبهجة للكل بحول الله ولكن بعد اكتمال المشروع العظيم. sirafat@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :