كغيره من كبار السن حدثني الشيخ عمر فلاته -يرحمه الله- عن أخلاق الجيران التي عايشها في مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام وخاصة إن حل بهم جار جديد، فمن عاداتهم الطيبة إكرام هذا الجار بإهدائه وجبة الغداء لأيام حتى تستقر أموره، وكما يقول الشيخ محمد العمودي -يرحمه الله- عن عاداتهم الطيبة أيضا في شهر رمضان تبادل الأطباق الطائرة -كما وصفها- المختلفة فيما بينهم قبيل المغرب، لذلك كانت سفرة الإفطار تحتوي على أنواع متعددة من الأطعمة معظمها من الجيران! عندما انتقلت من القصيم إلى المدينة المنورة عام 1395هـ أكرمنا الله بالسكن في عمارة محمد حسن رشوان المعروف بأبو الرشا بحي المغيسلة، مرت اليوم أربعون عامًا ولم تمح السنون من ذاكرتي حسن جوار ومعاملة تلك العائلة الكريمة، كانوا نعم الجيران، ولا يمكن نسيانهم وأفضالهم بعد الله! ومما رأيته بعيني في عام 1395 في أحد الأيام حين كنت ذاهبًا إلى صلاة الظهر في المسجد النبوي وفي زقاق قريب من الحرم رأيت فتاة لم تتجاوز العاشرة تطرق باب جيرانهم قائلة: أمي تسلم عليكم وتقول عندكم بقدونس! صورة جميلة مشرقة رسخت في ذاكرتي ولم ولن تغيب عنها أبدًا بإذن الله! تلك الصور بارعة الحب تمثل علاقات رائعة بين جيران الأمس في هذه المدينة الطاهرة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يعني اختفاء تلك التعاملات بين الجيران في هذا العصر، ففي عصر أحد الأيام وفي شهر جمادى الآخرة من هذا العام، طرق جرس بيتنا ولما فتحت الباب، رأيت ابنة الجيران وفي يدها كأس بلاستيك قائلة: ممكن شوية دقيق؟ فرجعت بي إلى تلك الأيام الرائعة التي لا تزال لها بصماتها حتى اللحظة وهذه الصورة الدليل!! بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية وتعييني بالكلية المتوسطة (المعلمين) بالمدينة المنورة، واستئجاري للشقة لسكناي وعائلتي الصغيرة، زرت أحد الأصدقاء الأعزاء جدًا والذي سألني عما إذا كنت قد اشتريت سيارة فأجبته بالنفي، فما كان منه إلا أن غاب عني دقائق ثم عاد وبيده حقيبة كبيرة ثم فتحها وإذا بها ملأى بالأوراق النقدية ذوات الفئات الكبيرة، وطلب مني أخذ ما أريد منها باعتبار احتياجي لشراء السيارة وتجهيز الشقة، وبعد إلحاح وافقت على أخذ حاجتي وهي قيمة السيارة!. من لم يعش في المدينة المنورة قبل ثلاثين عامًا لا يعرف نكهتها اللذيذة وروعة جمالها الذي لا يضاهى، لا اقصد تلك البيوت الجميلة التي تختزن بين حناياها الحب والمودة والرحمة فحسب، بل الأهم من ذلك النفوس الطيبة التي كانت تحيي ما بين جدران البيوت وأزقتها بأرواحها الشفافة وقلوبها الصافية! المدينة المنورة مدينة لا كغيرها من بلاد الله، هي أرض اختارها الله لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام مهاجرًا وحياة ومثوى، اختارها لتكون مهبط الوحي ومنطلق الرسالة للعالمين فكان أهلها أهل لتحمل الأمانة وإبلاغها للناس كافة، وخلفهم من بعدهم قوم امتزجت نفوسهم بعبق الإيمان فكانت أخلاقهم أنفاسًا تتهدج بالحب والرحمة، كان مجتمع المدينة المنورة وسيبقى تربة خير لأخلاق النبوة وسمو الإسلام، تواصل علاقات وصلة رحم ورحمة بالضعيف وإكرامًا للمسكين، إنها أخلاق النبوة تمثلت في أهل المدينة المنورة فلا تلومونني في حبهم وتقديرهم. sirafat@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :