لا تبدو الحاجة إلى صحافة ثقافية ناقدة ترفا ولا ممرا إلى البحث عن الرفع من عدد القراء ولا عن الإثارة. بل إنها الطريق إلى بلورة وعي نقدي لدى القارئ.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/11/11، العدد: 10809، ص(16)] زميل صحافي واظب، خلال الست سنوات التي أتحمل خلالها مسؤولية مديرية الكتاب، ومعها مندوبية المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، على تتبع أخبار قطاع الكتاب، بشكل شبه يومي. في كثير من الأحيان، يختار أن يكون قاسيا. من جهتي، لم أكن أفوّت فرصة التوضيح. كما كان يحدث أن نصل إلى حد القطيعة، لكن لم يسبق لي أن امتنعت عن الجواب عن مكالماته. منذ ما يناهز الشهر، غاب اسم الزميل عن صفحته الثقافية، التي صارت باردة. ولذلك بادرت إلى مكالمته سائلا إياه عن سر غيابه وعن سر البياض الذي اجتاح صفحته، لأفاجأ بكونه في إجازة مرضية طويلة بسبب حادثة سير. تمنيت له بصدق عودة موفقة إلى صفحته. ولا يبدو موقفي فصاميا، بل إنه تعبير عن حاجتنا جميعا، مسؤولين وقراء، إلى صحافة ثقافية نقدية، تلتقط هفوات المشهد الثقافي. إنها الصحافة التي نفتقدها الآن، بعد أن تراجعت قناعات وممارسات كثيرة، وإن كانت الصحافة تعرف تطورات، سواء من حيث عدد عناوينها أو جمالية تصفيفها وطبعها أو من حيث مهنيتها أو جانبها المؤسساتي. وتكفي العودة إلى أرشيف الصحف المعدودة التي كانت تصدر خلال سبعينات القرن الماضي، بالمغرب على سبيل المثال، لكي يدهشنا حجم النقاش والمساجلات التي كانت تملأ الصفحات الثقافية بشكل منتظم. ولا تبدو الحاجة إلى صحافة ثقافية ناقدة ترفا ولا ممرا إلى البحث عن الرفع من عدد القراء ولا عن الإثارة. بل إنها الطريق إلى بلورة وعي نقدي لدى القارئ، نحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت مضى، وذلك في زحمة فيض المعلومات الثقافية، وكثافة المتدخلين في المجال الثقافي، كتّابا كانوا أو ناشرين أو منتجين أو مؤسسات، وأيضا في زحمة تعدّد المنتوجات الثقافية، كتبا كانت أو أفلاما أو مسرحيات أو معارض للتشكيل أو غيرها. ولعل هذه الحاجة يفرضها أيضا سياق صار يتماهى داخله النقد مع الإشهار، في إطار علاقة يصفها بيير بورديو، بالخفية، وذلك ضدا على الوظيفة التي يُفترض أن يلعبها النقد المستقل. حملت افتتاحية العدد الأخير من مجلة ماغازين لترير الفرنسية الرفيعة إعلانا عن عزم المجلة على تغيير عنوانها وخطها التحريري، حيث سيكون القراء على موعد مع مجلة جديدة تنتصر للجدل وللنقاش، ضدا على سنوات الصمت التي طبعت المشهد الثقافي الإنساني. ولعل ذلك يعبّر عن جرأة مجلة، راكمت أكثر من خمسين سنة من الانتظام ومن التألق، على تغيير هويتها كلما اقتضت الضرورة. أما مُوقّع الافتتاحية فهو مديرها الجديد المعيّن قبل أيام، الكاتب رفائيل غلوكسمان، الذي لم يقفل بعد الثلاثين من عمره. إنها الوصفة الحقيقة لصحافة ناقدة، تملك القدرة على نقد نفسها أولا، قبل أن تنتقد الآخرين. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :