شباب يقودون مشعل التغيير لإخماد نار فتنة أشعلتها السياسةتنضم السياسة إلى الموروث الديني والفكر التقليدي في ترسيخ حالة الطائفية ببعض الدول العربية، وأمام حالة اليأس من الوضع المتردي تبرز مبادرات شبابية لإحياء الأمل بالتغيير، وإيجاد قواسم مشتركة للعيش المشترك بين الطوائف.العرب رويدة رفاعي [نُشر في 2017/11/12، العدد: 10810، ص(19)]الأمل معقود على صوت الشباب لا تحتاج الطائفية إلى أكثر من شرارة صغيرة حتى تشعل نيرانها في منطقة تتربع على جمر الاختلاف الديني والمذهبي والعشائري، الجاهز للاشتعال في أي لحظة بفعل الفوضى، وفيما يتشاءم الكثيرون من إمكانية تغيير هذا الواقع، تبرز مبادرات شبابية هنا وهناك تصرّ على أن الأمل موجود دائما لإيجاد أرضية مشتركة من التعايش السلمي. يبدأ علاج أي مشكلة من البحث عن أسبابها وعوامل استمراريتها، وفي حالة الطائفية لا تحتاج إلى الكثير من الاجتهاد، فجذورها تعود إلى أجيال عديدة سبقت، ويجري تناقل قصصها بين الناس مع كل حدث جديد، وتختلط الحقيقة بالشائعة، وتتغذى بالمبالغة والتضخيم إشباعا لحالة المظلومية التي تهواها الذاكرة الجمعية الطائفية لدى كل الجماعات على حدّ سواء. الموروث الطائفي لا يعني هذا أن الطائفية لا تجد أرضا خصبة في أوساط الشباب، رغم حالة الانجراف الشائعة مع موجة الثقافة الغربية والتكنولوجيا وثورة المعلومات، فمروجو الطائفية أو من لهم مصلحة في ترسيخها بالمجتمع وفي مقدمتهم السياسيون، يستفيدون من التفاوت المعرفي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والديني بين أوساط الشباب. وبالنتيجة يكفي التأثير على نسبة قليلة جدا حتى لو كانت واحدا بالمئة لإشعال الشرارة وتمديد بقعة النيران بتزكية من الموروث الديني الطائفي الذي يصرّ رجال الدين على إبقائه حيا إمعانا في استمرار سطوتهم ونفوذهم، إضافة إلى الفكر التقليدي المتشبع بالتوجّس من هذا المختلف دينيا وفكريا وطائفيا حتى لو كان معايشا له للعشرات من السنين. تتصدر الحوادث الطائفية عناوين الأخبار، ومقابل كل خبر، تزداد الحاجة إلى جهود مضاعفة ومبادرات أكثر حماسا للوقوف في وجه المد الطائفي، وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى الشباب من الجيل الجديد ليحملوا مشعل التغيير في المنطقة، ويقاوموا تأثير الأحزاب السياسة الطائفية.مروجو الطائفية أو من لهم مصلحة في ترسيخها بالمجتمع وفي مقدمتهم السياسيون، يستفيدون من التفاوت المعرفي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والديني بين أوساط الشباب شباب العراق اليوم هم مَن ولدوا في حاضنة القسوة. فمن حرب إلى أخرى كان العراقيون قد تنقلوا عبر ثلاثة عقود من الزمن كان العالم فيها قد أدار لهم ظهره في الوقت الذي كانوا فيه ينظرون بأمل كبير إلى اليوم الذي يمتزجون فيه بالعالم ويخرجون من عزلتهم. بعد الاحتلال الأميركي 2003 تمكنت الطائفية السياسية من الحكم بسبب نظام المحاصصة الذي فرضه المحتل واستفادت منه الأحزاب ذات النزعة الطائفية. ولأن تلك الأحزاب لم تكتف بذلك فإنها سعت إلى تكريس البعد الاجتماعي للطائفية بما ينطوي عليه ذلك البعد من رغبة في التجهيل والإفقار الثقافي والنظرة المشوّهة للعالم الخارجي. وهو ما دفع الشباب في اتجاهين. إما التطرف والانخراط في المجموعات التي تفتك بالمجتمع بطرق مختلفة وصولا إلى إنشاء عصابات للخطف والسرقة، وإما الهجرة إن وجدوا لها سبيلا. وهناك في المقابل شعور عميق بالضياع ساهمت في تكريسه مؤسسة تعليمية سعت إلى تسطيح المناهج وشحنها بالأفكار الطائفية التي تستند إلى الخرافات وإلى وقائع تاريخية هي محل التباس. إضافة إلى تجاهل صناع القرار في العراق لرغبة الشباب العارمة في الحياة والتي تقوم أصلا على التمرد والشك والمتعة والمعرفة، وذلك ما يزيد من حالة اليأس التي تدفع بالكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة. الشباب الأقدر على إنقاذ العراق يجزم الإعلامي العراقي عدي حاتم، أن لا وجود للطائفية المجتمعية في العراق بل إن الطائفية فيه هي صناعة سياسية من الأحزاب والجماعات الدينية التي تستخدمها للتخويف من الطرف الآخر لأنها تربط بقاءها في السلطة بهذا الخوف وبالتصعيد الطائفي. ويقول حاتم في تصريحات لـ”العرب”، إن “مخطط صناعة الطائفية في العراق، تقف خلفه دول إقليمية تساندها دول كبرى متقاطعة معها في المصالح والأجندات، كانت ولا تزال تسعى إلى إغراق المنطقة بحروب ونزاعات دينية، تكون بداية انطلاقها من العراق، لذلك صرفت أموالا طائلة على دعم الأحزاب الطائفية وعلى إنشاء وتشكيل الميليشيات والحركات المسلحة وفتح الحدود العراقية أمام عتاة الإرهابيين والمجرمين. وتلك الجماعات هي من تبادلت الاقتتال بينها وليس مكونات المجتمع، ولتفجير الطائفية وترسيخ مبدأ الخوف وانعدام الثقة من الآخر، نفذت حملات إبادة جماعية ضد العراقيين وتمّ الإيحاء بأن تلك الحملات تقوم بها طائفة ضد أخرى”، وفق حاتم.أمراض بحاجة إلى دواء ويستشهد بما حصل في الحرب على داعش وما تخللها من ممارسات إجرامية لميليشيات إيرانية ضد أهالي المناطق المحررة، وتعمد تلك الميليشيات إلى تصوير أفعالها الإجرامية وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، وقبلها ممارسات داعش ضد العراقيين من خلفية طائفية أخرى وقيامها بتصوير ونشر حملات الإبادة الجماعية، وهذا دليل لا يقبل الشك على أن تلك الجماعات تعمل بشكل مدروس في محاولة شحن المجتمع طائفيا ودفعه إلى الحروب الثأرية. ويؤكد أن “هذه الممارسات الإجرامية ظلت معزولة ولم تنجح تلك الجماعات إلا في خداع بعض عناصر المجتمع والتغرير بهم، إلا أن الغالبية العظمى من العراقيين ولا سيما الشباب منهم كانوا ضدّ الطائفية وضدّ أي محاولات لتقسيم المجتمع واحترابه”. وينظر حاتم بتفاؤل وأمل إلى النشاطات التي قام بها الشباب من خلفيات مذهبية ودينية وقومية مختلفة مثل “كلنا مواطنون” وغيرها، لإعادة بناء الثقة بين المكونات العراقية ولتحقيق الاستقرار والسلام في هذا البلد المنكوب بالحروب وبحكوماته التي ربطته بكل مشاكل الكوكب وحولته إلى ساحة لتصفية الصراعات والحسابات بين الأقطاب الإقليمية والدولية. ويؤكد أن “الشباب العراقي عندما يقوم بأي نشاط لدعم الحريات أو لتعزيز المواطنة، فهو يعرف جيدا أنه يحمل روحه على كفه لأنه يواجه جماعات متطرفة من المذهبين لا تتردد في قتل أي شخص يحاول تخريب بناءها الطائفي، لكن رغم كل الإجرام الذي تمارسه هذه الجماعات ورغم كل هذه المخاطر على حياتهم وحياة أسرهم إلا أن المئات بل الآلاف من الشباب يقومون يوميا بحملات لنشر المحبة ولتعزيز ثقافة المواطنة بين مكونات المجتمع. ويعتقد حاتم أن هذه الحملات تمكنت من إخماد نار الفتنة وإجبار حتى السياسيين والأحزاب الطائفية على رفع شعارات وطنية وتغيير خطابهم الطائفي لأنهم باتوا يعرفون أن المجتمع ما عاد يتقبل التطرف والطائفية، لذلك فإن الاعتماد على الشباب كان صحيحا وينبغي الاستمرار به لأنهم أقدر من غيرهم على إنقاذ حاضر الوطن ومستقبله”. من جهته يقول الشاب العراقي أحمد الحسين 30عاما، أنه تفاءل كثيرا بالمشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام لمسلمين يرفعون الصليب فوق كنيسة في الموصل، كان تنظيم داعش قد حولها إلى مقر له. ونظم الشبان العراقيون حملة لـ”إحياء الكنائس” بالتعاون مع فرق تطوعية شبابية وذلك بهدف “إعادة تأهيل الكنيسة وتصحيح ما أفسده الإرهاب”. واعتبر الحسين “أنها خطوة عظيمة تحمل رمزية كبيرة، وتعيد الأمل بإمكانية عودة التلاحم بين العراقيين بجهود الشباب”. المفارقة اللبنانية القاسم المشترك بين الطائفية في لبنان والعراق هو السياسة والأحزاب الطائفية التي تقتات من بقاء الواقع الطائفي على ما هو عليه. ويقول سامر الخطيب وهو شاب فلسطيني مقيم في لبنان، في تصريحات لـ”العرب”، إن “المفارقة الغريبة في لبنان، أن الجميع يشتمون الطائفية ويؤكدون أن السياسيين يقفون وراءها، وهم أصحاب المصلحة في تكريسها واستمرارها حفاظا على مصالحهم المستمدة من حالة الطائفية، لكن الشباب مازالوا ينقادون إلى خطاب الزعماء السياسيين”. عدي حاتم: الطائفية هي صناعة سياسية من الأحزاب والجماعات الدينية التي تستخدمها للتخويف من الآخر ويضيف، “يمكن القول إن اللبنانيين يعون جيدا الدرس القاسي من الحرب الأهلية على مدى 15 عاما، وبالتأكيد لن ينجرفوا إلى حرب أخرى، لكن هذا لا يعني أن الطائفية غير موجودة. الطائفية ليست فقط عنفا ضد الآخر المختلف دينيا، بل تظهر في صور اجتماعية كالزواج والتعامل مع الأصدقاء، وحتى التعاطف مع ضحايا الجرائم يختلف باختلاف طائفة الجاني والضحية”. ويقول أحمد الزعبي وهو أحد الناشطين في مناهضة الطائفية في لبنان، “للأسف في بلادنا لم نستطع أن نحوّل الاختلاف الديني والمذهبي إلى فسيفساء متجانسة كل منا يتقبل الآخر، الجميع انجرّ إلى الطائفية حتى الفئة المثقفة التي يفترض أن تكون إحدى أدوات الوعي الاجتماعي، لم تستطع أن تحمل المبادرة، وعلى العكس انقاد بعض المثقفين إلى التيار السياسي الطائفي الموجود في مناطقهم، لأسباب مختلفة”. إعلام يعمق الانقسام أضاف الزعبي “لا نريد التركيز على الأسباب والاتهامات، نريد أن نكون فاعلين في مواجهة الطائفية، ونغذي الابتعاد عن النهج السياسي والأحزاب الطائفية بين الشباب، نأمل بغد أفضل ويجب أن نعمل بجد للوصول إلى هذا الغد”. من جهتها تحمّل زينة مهنا وهي طالبة جامعية سورية مقيمة في بيروت، الإعلام مسؤولية كبيرة في تعميق الانقسام الطائفي، وتقول “كارثتنا تكمن في إعلامنا، لا رادع ولا مهنية، فالقنوات اللبنانية تتسابق لتغطية الحوادث بخلفية طائفية، تدّعي الموضوعية والحرص على مصلحة البلاد، لكنها تعمل وفق توجيهات أصحابها السياسيين، وتعمق المشاكل بدلا من إصلاحها”. ولا تعتبر وفاء وهي موظفة في سوريا أن العنف الطائفي متجذّر بين السوريين، وبخلاف بعض الحوادث التي هي نتيجة لحالة الحرب والتي قد تحدث في أيّ مكان، كان التعايش السلمي سيد الموقف قبل الحرب. لكنها تميّز بين الاختلاف الطائفي الموجود بشكل طبيعي في المجتمع، وحالة الخصوصية لكل طائفة. وتضيف في تصريحات لـ”العرب”، من خلال تجربتها الشخصية، “نحن مختلفون ومتعايشون، كل منا يدرك خصوصية الآخر ولا يحاول إثارة الحساسيات، هكذا تعودنا، ولم يؤثر الاختلاف في علاقاتنا وصداقاتنا وتعايشنا”. صحافية سورية
مشاركة :