بقلم رئيس التحرير / صالح بن عفصان العفصان الكواري : جاء الخطاب الذي افتتح به حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى أمس دور الانعقاد العادي السادس والأربعين لمجلس الشورى، واضحاً وشفافاً وصريحاً، بشأن كل ما انطوى عليه من قضايا واهتمامات وتحديات داخلية ومستجدات خارجية، وهو ما تعودناه دائماً من سموه «حفظه الله ورعاه» لدى مخاطبته شعبه وأمته في أي مناسبة ومن على أي منبر. الخطاب جاء شاملاً وصادقاً في طرحه ومضامينه، وركز على قضايا الساحة المحلية، وبالتحديد الحصار الجائر الذي تتعرض له دولة قطر وكيف استطاعت الدولة بحكمة وبعد نظر وإجراءات واقعية ومدروسة كسره وتجاوز آثاره. واستشرف الخطاب السامي في طياته ومحاوره المختلفة، خطط وموجهات المرحلة القادمة، والغد الوارف بالعز والبشر والخير في كل مجال خدمي وتنموي لرفاه قطر وشعبها الجسور. فعلى الصعيد الداخلي شرح الخطاب السامي بالتفصيل، كيف أن دولة قطر قد تعرضت لحصار جائر أُهدرت خلاله كل القيم والأعراف المعمول بها ليس بين الدول الشقيقة والصديقة فحسب، بل حتى بين الأعداء. وقد تطرق الخطاب في هذا السياق لتداعيات الحصار الظالم وطبيعة الخطاب والخطوات والإجراءات التي اتخذت، ونبه إلى أن دول الحصار لم تترك شيئاً إلا ومست به من الأعراف والقيم وصلات الرحم والأملاك والمصالح الخاصة، ما يؤكد أن هدفها لم يكن التوصل لتسوية، وهو ما أثار استهجان واستنكار العالم بأسره، ليضع استقرار هذه الدول جراء سياساتها المغلوطة والمضطربة والمنطقة كلها على المحك. هكذا كان سموه واضحاً وشفافاً أمام شعبه والرأي العام العربي والعالمي، واضعاً دول الحصار في مأزق الأزمة التي افتعلتها ومحاولتها استدامة الحصار وإضفاء شرعية عليه، دون أن يلوح في الأفق ما يؤشر لجديتها في إنهائها والخروج من هذه الورطة التي تستنزفها كل يوم يمضي على الحصار، ودون أن تبرز هذه الدول الموتورة أي أدلة وإثباتات على اتهاماتها الزائفة بحق قطر بدعم الإرهاب، وهو ما يؤكد كذب ادعاءاتها وخبث مقصدها، في وقت يشهد فيه العالم والدول العظمى كم أن قطر جادة في مكافحة هذه الظاهرة وتجفيف مصادر تمويلها وتوقيعها العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لاجتثاثها من جذورها. وانطلاقاً من الموقف القطري الثابت والمبدئي في حل أزمة دول الحصار، جدد سموه استعداد قطر لتسويات في إطار الحوار القائم على الاحترام المتبادل للسيادة والالتزامات المشتركة، وهي إشارة قوية لما هو مؤكد سلفاً من أن قطر لن ترضخ للابتزازات ولغة التعنت ومحاولات سلب السيادة والقرار الوطني، وكيف أن الحصار قد تحول إلى منحة، وكيف أن قطر بسياساتها الحكيمة قد استفادت من هذه التجربة بتخريج أفضل الكفاءات وبلورة هوية الشعب الوطنية وتلاحم القيادة مع شعبها، وهو ما أدى لانتصار قطر وخيبة وانكسار دول الحصار. لم يؤثر الحصار كما قال سموه «حفظه الله» في سياسة قطر الخارجية الإيجابية والفاعلة وتلبية التزاماتها الإنسانية، بعدما تغلبت على تداعيات انخفاض أسعار النفط قبل الأزمة، ليصبح دخل الفرد في قطر مقاساً بالقوة الشرائية من الأعلى في العالم. نعم كما قال سموه في خطابه السامي الذي ركز على أزمة الحصار في سياق تناوله للشأن الداخلي، إن الإجراءات التي اتخذتها دول الحصار قد فشلت في إحداث صدمة سياسية، فيما استوعب الاقتصاد القطري بسرعة فائقة آثارها الاقتصادية السلبية المؤقتة وتكيف وطور نفسه من خلال إدارة الأزمة لتستمر صادرات النفط والغاز بمعدلاتها دون أن تؤثر فيها حملات دول الحصار المأزومة، في حين يجري العمل في مشروعات التنمية الاقتصادية والأمن المائي وغيرها. وهكذا جاء الخطاب السامي مطمئناً ومبشراً بمستقبل واعد ووارف يرتكز على قوة الاقتصاد القطري وقدرته على مجابهة الأزمات بالسرعة والكفاءة المطلوبين من خلال تحسن معدل النمو في البلاد ومضاعفة الجهود للوفاء بالطموحات وتحقيق معدلات نمو أعلى في المستقبل وتحديد الاستراتيجيات ومرتكزاتها من حيث تحسين الاقتصاد الوطني وتسهيل الاستثمار وتقليل البيروقراطية وتطوير النظام البنكي والانتهاء من مشاريع الأمن الغذائي والمائي والإسراع بتنفيذ استراتيجيات السياحة وتشجيع القطاع الخاص للخوض في هذه المجالات للتعامل مع الوضع الجديد الذي تمر به الدولة وكذا فتح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدوره في بناء الدولة. وللتأكيد على المساحة الديمقراطية التي تتمتع بها قطر، أعلن سموه أن الحكومة تقوم بالإعداد لانتخابات مجلس الشورى بما في ذلك الإعداد لمشروعات الأدوات التشريعية اللازمة التي تضمن سير هذه الانتخابات بشكل مكتمل، وهو أمر يدعو مجلس الشورى إلى بذل جهود مضاعفة والنهوض أكثر بدوره المنوط به للمرحلة التاريخية المرتقبة من مسيرة قطر التشريعية. كما وجه سموه بضرورة العمل لتطوير أنظمة العدالة، بما يكفل ترسيخ استقلال القضاء وعدم إطالة أمد التقاضي، ما يؤكد الحرص بأن تكون الدولة بأجهزتها القانونية والتشريعية ضامنة لاستقلال القضاء وقادرة على تحقيق العدالة وتطوير الجهاز القضائي وتعزيز قدرته على مواكبة التطورات السريعة التي يشهدها المجتمع القطري. ورغم كل ما تتعرض له قطر من حصار جائر وظالم وما تشهده المنطقة من توترات والعالم من متغيرات، شدد سموه على أن السياسة الخارجية لقطر تواصل الانطلاق بالارتكاز على القيم القطرية الأصيلة في رسم هذه السياسة التي يتم تصميمها على أساس الموازنة بين مبادئ قطر الثابتة وواقعيتها السياسية ومصالح شعبها وشعوب المنطقة. وبالطبع فإن في ذلك تأكيداً من جديد على أن السياسة الخارجية القطرية تقوم على أسس وطنية أصيلة وأخلاقية راسخة وإنسانية شاملة، تراعي مصالح الأشقاء والجوار والأصدقاء والعالم، وفق الثوابت والمبادئ والمحددات التي تسير عليها بتوجيهات القيادة الحكيمة. وعلى الصعيد الخارجي، أكد سمو الأمير المفدى في خطابه أن قطر تتابع بقلق ما يجري من تطورات جراء تدهور الأوضاع السياسية على المستوى الإقليمي، داعياً سموه لعدم التصعيد وتجنيب شعوب المنطقة مخاطر التوتر وبناء المحاور. وفي سياق متصل هنأ سموه الأشقاء الفلسطينيين بوحدتهم ودعاهم لإنهاء الانقسام وتوحيد جهودهم لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة. ولم يغفل الخطاب التطورات التي يشهدها العراق وجهود حكومته في استئصال الإرهاب، مؤكداً دعم دولة قطر لوحدة الأراضي العراقية، فيما دعا من ناحية أخرى إلى تنشيط الجهود لإيجاد حل عادل للمأساة السورية، كما أكد دعم قطر لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا ودعا كذلك الأطراف الليبية للمصالحة. وفي الشأن الإسلامي دعا سموه حكومة ميانمار إلى العمل من أجل تخفيف معاناة شعب الروهينجا المسلم. كل ذلك ينم عن شعور قوي بالوقوف إلى جانب الشعوب العربية والمسلمة والعمل على إسعادها وتخفيف وطأة الظروف والمعاناة القاسية التي تتعرض لها جراء ممارسات الإرهاب أو بسبب ممارسات الدول والحكومات نفسها. لكل تلك المضامين المهمة، أجمع كل من تابع واستمع للخطاب السامي على واقعيته وإيجابيته وتوازنه وتناوله وتشخيصه للتطورات والمستجدات المحلية والخارجية بكل صدق وشفافية، وكيف أنه بدأ بأهم القضايا والأزمات التي تستصغرها دول الحصار وتتغابى عن الوعي بخطورتها وتداعياتها السلبية وبالأخص على الصعد الإنسانية الخليجية. وانطلاقاً من الأهمية البالغة للمحاور الهامة التي اشتمل عليها الخطاب السامي فمن الأهمية مبادرة كل أجهزة الدولة واستنفارها كل فيما يخصه لتنفيذ ما جاء في الخطاب السامي بأسرع وقت وتحويل مضامينه إلى أرض الواقع وفق واقعية ومنهجية مدروسة وجعله وثيقة ومنهاجاً للعمل خلال المرحلة المقبلة. وعبر سمو الأمير حفظه الله كما عودنا في كل خطاب، عن تقديره للشعب القطري الأصيل والمقيمين على وقوفهم في وجه الحصار بعزة وكبرياء وسمو في الأخلاق. ونحن يا سمو الأمير ويا قائدنا وربان سفينتنا، نبادلك ذات المشاعر وأكثر منها حباً والتفافاً حول قيادتك الحكيمة، ونؤكد لك إننا معك في كل خطوة تخطوها ونقول لك يا سمو الأمير، نحن معك ورهن إشارتك، ولو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك في سبيل الدفاع عن وطننا وحمايته من كيد الكائدين وشرور الأشرار والحاسدين، فسر على بركة الله. editor@raya.com
مشاركة :