لماذا تكرس عجز الجزائر عن فك ارتباطها مع الهيمنة الفرنسية على مدى سنوات الاستقلال التي تتجاوز نصف قرن من الزمان.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/11/16، العدد: 10814، ص(9)] أكدت وسائل الإعلام الجزائرية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن الثلاثاء الماضي أن زيارته الرسمية للجزائر ستكون يوم السادس من شهر ديسمبر المقبل، ومن الواضح أن النظام الجزائري يعول كثيرا على هذه الزيارة لاستغلالها لصالحه لمواصلة هيمنته على المشهد السياسي الجزائري العام من جهة، ومن جهة أخرى فإنه ينتظر أن يوظف هذه الزيارة، التي ينتظر أن تكون إحدى نتائجها الأساسية الاعتذار المتوقع أن يقدمه الرئيس ماكرون للشعب الجزائري عن جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية، كورقة ضغط تمكنه من فرض سيطرته على الانتخابات الرئاسية التي يحتمل أن تشهد إما ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، وإما ترشيح شخصية أخرى موالية له ولجماعته وتضمن استمرار النظام الحاكم في شد قبضته على أجهزة الدولة. إلى جانب هذا فقد أكدت نتائج الزيارة الأخيرة التي قام بها الوزير الفرنسي المكلف بأوروبا والشؤون الخارجية جون إيف لودريان وطاقمه الوزاري في الأيام الماضية للجزائر تبعية النظام الجزائري للدولة الفرنسية ولمشاريعها الكبرى الهادفة إلى غزو الشركات الفرنسية للسوق الجزائرية والسيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد وتوجيه بوصلته حسب مصالح فرنسا. ظاهريا قد قدمت وسائل إعلام النظام الجزائري زيارة وزير خارجية فرنسا على أنها من أجل توقيع اتفاقيات اقتصادية وعلى رأسها اتفاق إنجاز مصنع رونو لإنتاج السيارات إلى جانب مجموعة اتفاقيات أخرى ذات طابع صناعي، ولكنها لم تتحدث إطلاقا عن الأهداف الأخرى المضمرة للساسة الفرنسيين وأتباعهم المتحكمين في سياسات البلاد المتواجدين في الهرم الأعلى للدولة الجزائرية وفي مقدمتها ربط اقتصاديات الجزائر بفرنسا وإبقائها تابعة لها إلى جانب تبعيتها الثقافية واللغوية والتكنولوجية والسياسية. في هذا السياق ينبغي طرح الأسئلة التالية: لماذا تكرس عجز الجزائر عن فك ارتباطها مع الهيمنة الفرنسية على مدى سنوات الاستقلال التي تتجاوز نصف قرن من الزمان؟ ولماذا يروج النظام الجزائري لخطاب ربط أي تعاون اقتصادي أو سياسي أو ثقافي مع فرنسا باعتراف هذه الأخيرة بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر طوال الحقبة الاستعمارية، وفي الوقت نفسه نجده يوقع الاتفاقيات المختلفة مع الحكومات الفرنسية المتعاقبة قبل أن تستجيب فرنسا لهذا الشرط الجزائري؟ ثم ماذا يعني ترويج إعلام السلطة الجزائرية لخطاب متناقض مع الحقائق ويتمثل في الزعم أن حصة فرنسا من السوق الجزائرية تشهد انحدارا ملحوظا في حين أن الوقائع تؤكد أن الحريف الاقتصادي والتجاري الأول للجزائر على المستوى العالمي هو فرنسا، حيث تقدر التقارير التي صدرت في الماضي القريب وكذلك في الأسبوع الفارط عن الإدارة الجزائرية الرسمية، أن التبادل التجاري بينهما في تصاعد مطرد ويبلغ راهنا ما لا يقل عن 8 مليارات دولار. ويلاحظ أيضا أن المبلغ سيشهد ارتفاعا في السنوات القادمة ويفرض معادلة اقتصادية تهمش حجم التبادل التجاري الجزائري مع جميع الدول العربية ومع الدول الأفريقية؟ لا شك أن تعميق تبعية الجزائر لفرنسا من طرف النظام الجزائري بشكل أعمى قد دشنته بنود اتفاقيات إفيان التي تمخضت عن المفاوضات التي جرت حينذاك بين وفد جبهة التحرير الوطني وبين ممثلي الدولة الفرنسية حول استقلال الجزائر وتقرير مصيرها، والتي مر عليها الآن أكثر من نصف قرن والتي لا تزال تأثيراتها بكل جوانبها العسكرية والثقافية والتعليمية والسياسية سارية المفعول وتواصل تقييد القرار الجزائري بخصوص أمهات القضايا الكبرى سواء على مستوى الداخل الجزائري أو على المستوى المغاربي والأفريقي، أو الدولي ولقد ظهر ذلك مثلا، وبشكل جلي في الدور الفرنسي الجوهري في فرض إلغاء المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية على النظام الجزائري والتي مر عليها الآن أكثر من ربع قرن. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :