إذا كان النائبان يوسف الفضالة وراكان النصف، يعتقدان بأن إحالة وكيلين مساعدين في وزارة الصحة ومكافأتهما برواتب تقاعدية استثنائية، بما يُفسر بأنه تكريم لهما من قبل وزير الصحة جمال الحربي، عملاً بطولياً يحسب لهما، لأنهما حاربا معاقل الفساد في وزارة الصحة، حسب تصريحهما، فهما بكل تأكيد مخطئان إلا إذا كانا يقصدان أمرا آخر، وهذا يستوجب التوضيح منهما منعاً للالتباس، وحتى يكون الناس على بينة من جهودهما الفعلية في وضع حد حقيقي لغول الفساد في وزارة الصحة تحديداً، وليس الاستعراض السياسي الذي سئمنا منه وبات يزعجنا. نحن نفهم أن إحالة أي قيادي على التقاعد تدور حوله علامات استفهام وشبهات مساس بالمال العام من دون إخضاعه للتحقيق وإثبات التهم الموجهة له عليه، ومحاسبته بعد ذلك... فعلاً ندرك أن هذا الإجراء بمثابة من يعين فاسداً على النجاة من قبضة القانون والعدالة عن طريق إخراجه سالما من البوابات الخلفية، وكأن شيئا لم يكن، وهذا بكل تأكيد ما يجعلنا نعيش في قلق تجاه جدية اجتثاث الفساد ورؤوسه الذي عادة ما يختلط بالصفقات السياسية والتهويل الإعلامي وصناعة نجومية شخصية خلافاً لما استقر في الواقع وما يجب أن يُبذل لتطهير المرافق الحكومية من داء اسمه «الفساد». إذا كانت فكرة الإحالات على التقاعد من دون المحاسبة، هي شكل من أشكال محاربة الفساد، حسب ما يزعمه بعض السياسيين، فإن كل من يرعى أو يشارك أو يتبنّى هذا الاتجاه، فهو شريك في إعانة الفاسدين على النفاذ بجلودهم، ولا عزاء للمال العام وما ارتكبه الفاسدون من ممارسات عبثية، سواء على صعيد الاستثراء الشخصي أو إيقاع المظالم على الموظفين المصلحين أو ما يخالف المصلحة العامة، ولذا، فالسؤال المستحق: عن أي إصلاح يرمي إليه النائبان الفضالة والنصف في وزارة الصحة؟ وعن أي مواجهة فساد ومفسدين يقصدان؟ وهل يعتبر الوزير الحربي تلك الإحالات على التقاعد ضرباً من الإنجاز الإصلاحي، أم أن إثبات التهم بالدليل القاطع على الفاسدين وإحالتهم على النيابة العامة هو ما يعد بطولة تستدعي أن يدخل الحربي تاريخ المجد من أوسع أبوابه؟ أما إحالة بعض قياديي الصحة على هيئة مكافحة الفساد، فليس هو الخيار الناجع لإحكام القبضة على من يقع في دائرة شبهات الفساد، لكون ذلك الكيان لا يملك سلطة التحقيق، وإنما فقط تقصي الحقائق وجمع المعلومات والمستندات وإعداد التقارير ومن ثم نقل ملف الشبهات إلى جهاز التحقيقات العامة أو النيابة العامة، وكان يغني عن ذلك تشكيل لجان التقصي والتحقيق اللازمة في وزارة الصحة نفسها ومخاطبة ديوان الخدمة المدنية وإخطاره بضرورة مثول بعض القياديين للتحقيق، ليقوم الديوان بدوره وحسب نصوصه القانونية ولوائحه التنظيمية الداخلية بإصدار قرار تشكيل لجنة لإخضاع القياديين المشتبه في اختراقهم القانون للتحقيق معهم بموجب ما توصلت إليه الجهة ذات العلاقة من نتائج تمخضت عن تقصيات وتحقيقات داخلية، وهذا هو الطريق المفترض حسب الإجراءات المؤسسية والقانونية للتعاطي مع ملفات الفساد والمفسدين. لا أرى أن من المناسب سياسيا أو المقبول دستوريا وقانونيا أن يقوم الحربي بإحالة وكيلين مساعدين في وزارته إلى التقاعد أثناء استقالة حكومة بكاملها وقيامها بتصريف العاجل من الأمور! فهذا المسلك قد يؤول على أن الوزير يريد أن يحقق ولو إنجازات شكلية توحي بالإصلاح ليكون ذريعة له ولمن يؤيده ويتحالف معه من بعض النواب للضغط على رئيس الوزراء لإعادته إلى حقيبة وزارة الصحة. كما أن إحالة قياديين للتقاعد في ظل استقالة الحكومة سيفتح باب الطعن على سلامة قرارات الإحالة ومدى مواءمتها لمفهوم تصريف العاجل الذي يتمحور حول تسيير الأعمال اليومية الروتينية، فهل هذا هو الإصلاح المنشود الذي ينشده النائبان النصف والفضالة والوزير الحربي، أم أن هناك شيئاً خلف الستار السياسي لا نعرفه؟ من المؤسف أن نشهد هذه الأيام حملات إشادة وترويج غير مسبوقة لعدد من الوزراء في وسائل الإعلام التقليدي وبوابات التواصل الإعلامي ونشاطا مبالغا فيه من بعض أعضاء مجلس الأمة، بهدف تكوين رأي عام حول كفاءة وزير ما أو التأثير على قناعات متخذ القرار بشكل غير مباشر حول أهمية إرجاع وزير بعينه من زاوية إكمال مسيرة الإصلاح والقضاء على الفاسدين، وكل يُغني على ليلاه، والمحصلة السياسية لكل من عزف على أوتار ملاحقة المفسدين وفلولهم وصعاليكم وغير ذلك مفردات براقة لا تعدو إلا أن تكون حلما من أحلام اليقظة، وعلى شاكلة: خيرا ما رأيت في منامك! إن النائبين الفضالة والنصف عليهما مسؤولية شرح جهدهما بشكل لا يحتمل اللبس والغموض في محاربة بؤر الفساد في وزارة الصحة وتسمية الأمور بمسمياتها والإشارة إلى الفاسدين صراحة وليس تلميحا والعمل على إيقاع أشد العقوبات بهم، وإذا قاما بذلك فعلاً، فسنضع لهما نصبين تذكاريين في ساحة الصفاة تكريما لإنجازاتهما العظيمة التي أبهرت الكويتيين في تأديب الفاسدين وتلقينهم دروسا ستكون عبرة لغيرهم. أخيراً: اقتلاع الفساد يتطلب إرادة سياسية جادة وتشريعات محكمة. mr.mesfeer@hotmail.com
مشاركة :