أكراد العراق في عزلتهم بقلم: فاروق يوسف

  • 11/17/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن مسعود البارزاني يتوقع أن يتركه الأميركان وحيدا في مواجهة أصدقاء إيران الذين فرضهم عليه مشروع الاحتلال الأميركي.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/11/17، العدد: 10815، ص(9)] يحاول أكراد العراق فك طوق العزلة الذي فرض عليهم عالميا من خلال عودتهم إلى حكومة بغداد التي رفضوا في وقت سابق التفاوض معها إلا إذا كان انفصالهم عن العراق هو أساس ذلك التفاوض. بغداد التي وجدت نفسها فجأة مدعومة من قبل العالم في مواجهة طرف كان إلى وقت قريب لا يُرد له طلب من قبل الولايات المتحدة ودول غربية كثيرة، نجحت في أن تفرض شرطها على الأكراد وهو شرط يعيد الأكراد إلى المربع الأول من قضيتهم. في لحظة يأس لخص مسعود البارزاني المسألة بعبارة بليغة هي “ليس للكردي سوى الجبل”. الخطر الذي استشعره البارزاني ليس من صنع خياله، بل هو وليد تجربة مريرة عاصرها البارزاني نفسه وكان من أهم صناع القرار فيها. وإذا ما كان البعض يلقي باللائمة على الزعيم الكردي، كونه لم يحسب لكل شيء حسابه فجاءت تقديراته على قدر كبير من الخطأ، فإن ذلك اللوم ينبغي أن لا يجعلنا نغمض عيوننا عن حقيقة الوضع الملتبس الذي يعيشه العراق منذ أن فرض عليه المحتل الأميركي نظام المحاصصة العرقية والطائفية، بدلا من أن يساعد العراقيين على بناء دولة حديثة بنظام سياسي ديمقراطي. الأكراد هم ضحايا ذلك النظام السياسي مثلما هو حال العرب، سنة وشيعة. فإضافة إلى تخلفه ورثاثته وأحاديته واستبداده وروح الريبة وعدم الثقة والتمترس والانعزالية التي تتحكم بأفراده، فإن ذلك النظام هو من أكثر الأنظمة التي شهدها التاريخ المعاصر فسادا. ما فعله الإقليم الكردي حين قام بتصدير النفط وتوقيع عقود مع الشركات النفطية العالمية والاستيلاء على المعابر الحدودية، وقبل كل هذا حين فرض على العراقيين القادمين من وسط وجنوب العراق أن يكون لهم كفيل كردي، إنما يشير بشكل جلي إلى انتهاج سياسة وضعت القانون العراقي على الرف واتبعت هوى الفاسدين من أجل جني المال على حساب الشراكة الوطنية. كان الأكراد دائما شركاء في ما يسمى بالعملية السياسية وهو ما يعني بالضرورة أن يكونوا شركاء في الفساد. لقد اعترف غير طرف كردي بأن إيرادات النفط المسروق من العراق كانت تذهب إلى حسابات شخصية وبقي الشعب الكردي في عامته محروما منها. غير أن الفساد لم يكن السبب الرئيس لانهيار مشروع قيام الدولة الكردية الذي اعتقد مسعود البارزاني أنه قابل للتحقق في لحظة، كان سياسيو بغداد قد استرجعوا فيها أنفاسهم بعد هزيمة داعش في الموصل. لم تحدث تلك الهزيمة لولا أن الولايات المتحدة كانت قد قررت ذلك. وهو ما كان على البارزاني أن يدرك مغزاه وهو العارف بأسرار الطبخة الأميركية في العراق. فكل شيء في العراق، وإن أخذ طابعا إيرانيا، هو من صنع السياسة الأميركية التي رتبت الأوراق في العراق الجديد. وقد يكون مستغربا أن الزعيم الكردي بكل دهائه لم يستشر السفير الأميركي في بغداد في شأن مشروع الانفصال. بل والأدهى من ذلك أنه لم يستمع إلى النصيحة الأميركية بتأجيل الاستفتاء. لم يكن البارزاني يتوقع أن يتركه الأميركان وحيدا في مواجهة أصدقاء إيران الذين فرضهم عليه مشروع الاحتلال الأميركي. وكما يبدو فإن الإدارة الأميركية وقد أنجزت ما كانت تروم إليه في العراق لم تعد معنية بشؤون أتباعها الصغار، غير أنها في الوقت نفسه تدرك أن مشروع دولة كردية في العراق هو لغم لم يحن بعد وقت تفجيره. اليوم وبعد أن هجرتهم الولايات المتحدة يحاول الأكراد أن يستميلوها من خلال اللجوء إلى سفيرها ليكون وسيطا وحكما في نزاعهم مع بغداد. لقد انخفض سقف مطالبهم حين تذكروا فجأة أن الدستور الجديد ينص على الحفاظ على وحدة العراق أرضا وإن كان ذلك الدستور لا ينص على وحدة شعبه. غير أن الأكراد الذين لا يثقون بشكل مطلق بحكومة بغداد صاروا على علم بأن الوصول إلى أبواب واشنطن لا يتم إلا عن طريق بغداد. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :