قال فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد النعمة: «إن من تمام نعمة الله تعالى على عباده المؤمنين أن ينزل بهم من الشدة والضر، والبلاء والمحن، والأمراض والأسقام ما يلجئهم إلى توحيده والرجوع إليه، فيدعونه تعالى مخلصين له الدين، يرجونه ولا يرجون أحداً سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، ويحصل لهم من التوكل عليه، والإنابة إليه، وحلاوة الإيمان، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف، أو الشدة والضر».أضاف فضيلته -في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب- أمس قائلاً: «إنما يعرف قدر البلاء إذا انكشف الغطاء يوم القيامة، كما روى جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض»، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يصب منه». وفي هذا -عباد الله- نعمة عظيمة من الله تعالى على عباده، ليمتحن صبرهم، ويسمع تضرعهم، ويخوفهم وعيده، فلولا البلاء لبطر العبد، وبغى وطغى، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه». وقال فضيلته قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت، ويبتلي الله بعض القوم بالنعم، وقال الحسن البصري -رحمه الله- في أيام الوجع: «أما والله ماهي بشر أيام المسلم، أيام قورب له فيها أجله، وذكر فيها بشيء من معاده، وكفر بها من خطاياه»، وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: «إنما جعلت العلل ليؤدب بها العباد، ليس كل من مرض مات، قال الله تعالى: «أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون». وأكد فضيلته أن ضعفاء الإيمان من يتسخطون على القضاء، ويتهمون الله سبحانه في قضائه، ويدعون بالويل والثبور عند أدنى نازلة، وأقرب مصيبة، وما علموا أن ذلك أنموذجاً لعقوبة المخالف، وتمحيصاً المؤمن، وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكفرين. روي أن أعرابية من البادية دخلت على قوم، فسمعت صراخاً في دار، فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان! فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرمون، وعن ثوابه يرغبون! وأوضح أن احتساب المصيبة عند الله، والصبر عليها علامة من علامات كمال الإيمان، والجزع والسخط عليها دليلان على ضعف الإيمان، فمن حسن التوفيق للعبد وأمارات السعادة الصبر على الملمات، والرفق عند النوازل، وبه نزل الكتاب وجاءت السنة والأخبار: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. 90 موضعاً في كتاب الله أوضح خطيب الجمعة أن الصبر ورد في كتاب الله تعالي في 90 موضعاً، ذاكراً في هذا السياق قول الإمام أحمد:(الصبر في القرآن نحو تسعين موضعاً، وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان، نصف صبر، ونصف شكر). وأضاف أن منزلة الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، وأنه لا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له.. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (خير عيش أدركناه بالصبر). وقال فضيلته إن علي بن أبي طالب قال للأشعث بن قيس رضي الله عنهما: (إنك إن صبرت، جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت، جرى عليك القلم وأنت مأزور). وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن «الصبر ضياء»، وأخبر أن الصبر بالتصبر، وأنه خير كله، وأنه أعظم عطاء يُعطاه العبد، في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر). وأمر صلى الله عليه وسلم بالصبر عند المصيبة، وقال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، ولما سئل عن الإيمان كما عند أحمد وغيره، قال: (الإيمان: الصبر والسماحة)، وهذا بيان جامع لمقامات الإيمان، فإن الإيمان خصلتان، إحداهما: بذل ما أمر به وإعطاؤه، وهذا إنما يحمل عليه السماحة، وثانيهما: ترك ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه والبعد عنه، وهذا إنما يحمل عليه الصبر.;
مشاركة :