أكد باحث إيطالي في الآثار البحرية أنه تحقق من أن ثمة خطأ في الترجمة ظهر بعد حرب طروادة بقرون، أدى إلى اختلاق أسطورة (حصان طروادة) الزائفة في رواية الشاعر الملحمي الإغريقي القديم هوميروس، حول كيفية فتح اليونانيين القدماء لمدينة طروادة، عن طريق حشد مجموعة من الجنود داخل حصان خشبي وتقديمه هدية لأبناء المدينة.ويجادل الباحث فرانشيسكو تيبوني في كتاب من تأليفه صدر مؤخراً في إيطاليا، بأن الحصان في الأسطورة كان في الحقيقة سفينة تجارية تحمل اسم (هيبوس) باللغة اليونانية القديمة، وكان يعلو مقدمتها تمثال كبير لرأس حصان كعلامة لها، وتعني كلمة (هيبوس) أيضاً (حصان).وكتب هوميروس، وهو يصف مسرح الأحداث في ذلك الوقت، يقول: "إن المدينة كتب عليها الهلاك عندما جلبت هذا الحصان إلى داخل أسوارها، وكان بداخله أشجع فرسان الإغريق كامنين وينتظرون لجلب الموت والدمار لأبناء طروادة".وقال تيبوني لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "على مدار التاريخ طرح كثير من الأكاديميين ترجمة الكلمة هيبوس على أنها تعني سفينة. غير أنه كان هناك شئ مفقود على الدوام، واستطعت باعتباري عالماً في مجال الآثار البحرية وضع المعلومات المتفرقة جنباً إلى جنب لتكتمل الصورة".ويرى إرنست بيرنيكا، وهو بروفسور أجرى أبحاثا في الموقع الأثري عند مدينة طروادة أن "قصة حصان طروادة كخدعة عسكرية تعتبر بسيطة ويسهل تذكرها، وكل الناس سمعوها على الأقل مرة واحدة في حياتهم".وأوضح تيبوني أنه في القرن الثاني قبل الميلاد كتب عالم الجغرافيا اليوناني باوسانياس أن فكرة استخدام الإغريق حصان "لا تحمل مصداقية، حتى لو تم استخدام شكل الحصان ليمثل هذه الأسطورة".ويقسم تيبوني وقته بين أبحاث الاستكشافات تحت سطح الماء حول حطام السفن القديمة في البحر المتوسط وبين دراسة النصوص وصور الأيقونات القديمة، وهو ممارس محترف للغطس إلى جانب كونه باحثاً بجامعة "إيكس مارسيليا" الفرنسية.وأوضح تيبوني أنه أكثر توافقا مع المنطق التفكير في هدية الإغريق الغادرة لأهالي طروادة على أنها سفينة وليست حصاناً، لأنه كان من المعتاد استخدام السفن التجارية في حمل الإتاوات مثل المعادن الثمينة إلى الأعداء المنتصرين في المعارك. كما أن تجويف السفينة يمكن أن يتيح مكانا أفضل لإخفاء الجنود مقارنة ببطن حصان، ومن ناحية أخرى فإن الإشارة التي جاءت في القصيدة الملحمية للشاعر الروماني القديم فرجيل بعنوان (الإنياذة) بدعوة أهالي طروادة إلى إغراق هدية الإغريق، تبدو خارجة عن السياق إذا استبعدنا تفسير السفينة.وكتب الباحث تيبوني عام 2016 في الدورية الأكاديمية "أرشيولوجيا مارتيما ميدترانيان" أي الأبحاث الأثرية بالمتوسط، يقول: إن "كثيراً من جوانب الأحداث التي حكاها المؤلفون القدماء تبدو أكثر وضوحاً مقارنة بالتفسيرات المتداولة في الوقت الحالي، إذا استخدمنا كلمة (هيبوس) بمعنى سفينة".وبينما نشر المؤرخ الفني أندريا شيونشي هذه الاكتشافات في صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، قال تيبونيلوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "إن زملاءه الباحثين في الدراسات الكلاسيكية يواجهون وقتاً عصيباً في تقبل أن أسطورة راجت طوال قرون قد تكون زائفة"وأضاف "لكن هدفي هو عدم رفض قصة سقوط طروادة على الإطلاق ولكن جعلها أكثر مصداقية، وإذا نسينا الخطأ الذي وقع في الترجمة بشأن الحصان الخشبي، فإننا نمنح مزيداً من التقدير لدهاء الإغريق".ومع ذلك قالت إليني ستيليانو، وهي باحثة في مجال الآثار بأثينا، لـ (د.ب.أ): "إنه من المتعذر فصل الحقائق عن الخيال عندما نتعامل مع أسطورة تستند إلى قصيدة ملحمية عمرها ثلاثة آلاف عام تقريباً، وتكون أصالتها أيضا محل جدل أكاديمي".وأضافت: "نحن نتعامل هنا مع ما نسبته 50% من الأساطير و50% من التاريخ، ومن هنا بوسع أي فرد أن يصدر التفسيرات التي تحلو له، ومن المحتمل ألا نتوصل على الإطلاق إلى حقيقة ما حدث، والملاحم البطولية تعد منجم ذهب بالنسبة للمترجمين وسلسلة أفلام إنديانا جونز ذات المغامرات الخيالية".وظهرت هذه القصة لأول مرة في ملحمة الألياذة التي أبدعها هوميروس في الفترة بين القرنين الثامن والسابع ما قبل الميلاد. ووفقاً للأسطورة قام الإغريق الذين يحاصرون مدينة طروادة - التي كانت تقع فيما يعرف اليوم بالمنطقة الشمالية الغربية من تركيا - بالتظاهر بأنهم ينسحبون من ميدان المعركة، تاركين خلفهم حصاناً خشبياً ضخماً تختفي بداخله مجموعة من الجنود. وقبل مواطنو طروادة الحصان باعتباره هدية ونقلوه داخل أسوار المدينة، مما عرضهم لهجوم من الغزاة الماكرين الذين كانوا كامنين بداخله.
مشاركة :