باريس - يقضي لاعب جالس أمام شاشته على كائنات فضائية من دون استخدام جهاز تحكم يدوي أو فأرة كمبوتر مع الاعتماد حصرا على أفكاره... إنها لعبة فيديو طورها باحثون بعنوان "براين إنفايدرز" تتيح بلورة طاقات جديدة لدماغ الإنسان. وفي ظل إقبال العلماء على تطوير شخصيات لألعاب الفيديو، قد تتيح التكنولوجيا المطورة حاليا التحكم مستقبلا بأطراف اصطناعية والتواصل مع أشخاص مشلولين أو عاجزين عن الكلام وحتى التحكم بكرسي نقال. وهذا كله يحصل بواسطة التفكير. ويوضح الباحث في مختبرات الصورة والكلام والإشارات التلقائية في غرونوبل - وسط شرق فرنسا - حيث جرى تصميم لعبة "براين انفايدرز" أن "الذكاء الاصطناعي يتيح تفكيك رموز نية الفرد انطلاقا من بيانات مجمعة بواسطة تخطيط موجات الدماغ ويحولها إلى أوامر". وفي هذه اللعبة، يرى اللاعب كائنات فضائية مستوحاة من لعبة "سبايس انفايدرز" (غزاة الفضاء) الشهيرة وهي ترسل أنوارا خاطفة. وتحت تأثير هذا الوميض، يرسل دماغ اللاعب تلقائيا موجة دماغية مسماة "بي 300" تعرف بانتقالها في القشرة المخية بعد كل تنبيه سواء أكان بصريا أو سمعيا أو حسيا. ومن خلال تحليل البيانات المتأتية من تخطيط موجات الدماغ لدى اللاعب، تحدد الأنظمة الحسابية أي كائن فضائي أرسل الوميض قبل أن ينتج الدماغ هذه الموجة ويمكن عندها الأمر بإتلافها. وتندرج هذه اللعبة في إطار أشغال تقام منذ سنوات على "واجهة الدماغ عبر الكومبيوتر" (بي سي اي)، مع أنظمة معلوماتية تتيح التفاعل مع آلة بواسطة التفكير من دون استخدام العضلات أو الأعصاب. وتعود أولى التجارب على البشر إلى الثمانينات، غير أن واجهات الدماغ عبر الكومبيوترهذه لا تزال في مرحلة التطوير نظرا إلى الصعوبات في معالجة الإشارة الكهربائية المرسلة من الدماغ. ويوضح ماركو كونجيلو أن "الإشارة (بي 300) ضعيفة جدا وضائعة وسط كل مصادر الضجيج الأخرى التي ينتجها الدماغ والعينان والفك...". خوذة بلواقط كهربائية وكانت شبكة "فيسبوك" أعلنت في نيسان/ابريل أنها ستنشئ في خلال عامين نظاما قادرا على "قراءة" الدماغ لرصد الكلمات التي يريد شخص ما التلفظ بها بهدف تسجيلها بشكل متزامن على جهاز كمبيوتر بسرعة مئة كلمة في الدقيقة. من ناحيته أعلن الملياردير ايلون ماسك مؤسس شركة "سبايس اكس" للصناعات الفضائية ومصنّع السيارات الكهربائية "تيسلا"، انطلاقه في مشروع واجهة حاسوبية تلحظ وضع أقطاب كهربائية صغيرة في الدماغ قادرة على نقل أفكار أو ادخلاها، والهدف من هذه العملية يكمن في تعزيز قدرات الدماغ. وفي شباط/فبراير2017، نجح علماء في مركز للبحوث في سويسرا في التواصل مع مرضى يعانون شللا كاملا من خلال واجهة حاسوبية - دماغية تقيس مستويات الأكسجين في الدماغ. هذه الطريقة تتيح لهم معرفة ما إذا كان المرضى يجيبون بـ"نعم" أم "كلا" على سلسلة من الأسئلة. ولتفكيك رسائل الدماغ، لجأ مطورو "براين انفايدرز" أيضا إلى تقنية غير هجومية تستخدم فيها خوذة لتخطيط موجات الدماغ (إي إي جي). وبالاستعانة بالأقطاب الكهربائية الموضوعة على فروة الرأس، ترصد الخوذة النشاط الكهربائي للدماغ وإرسال موجات "بي 300". الخوذات الطبية هي الأكثر فعالية غير أن كلفتها باهظة ويفتح وصول خوذات "إي إي جي" الباب لتطوير أكبر "للواجهات عبر الكومبيوتر الدماغية". وبالإضافة إلى سعرها الأرخص (بضعة مئات من الدولارات)، هذه الخوذات تتميز بالقدرة على تشغيلها من دون أسلاك وعلى البطارية كما أنها لا تستدعي استخدام مادة هلامية موصلة. أما الخاصية الأخرى بحسب الباحثين فتتمثل في أن لعبة "براين انفايدرز" تتخطى أحد القيود الرئيسية للواجهات الدماغية الحسابية وهي الحاجة للمعايرة قبل أي استخدام. أما النظام الحسابي للتعلم التلقائي فيتيح للآلة التكيف مع المستخدمين خلال تقدمهم في مراحل اللعبة. ومع صعوبة التكهن بموعد وصول تطبيقات عملية حقيقية لهذه التقنية، غير أنه بات ممكنا وضع تصور لها إذ أنها ستشمل قطاعين كبيرين بحسب ماركو كونجيلو وهما "الصحة" للمساعدة في تخطي صعوبات انعدام الحركة، والترفيه الموجه للعامة مثل ألعاب الفيديو.
مشاركة :