فوضى الترجمة في العالم العربي بقلم: حسونة المصباحي

  • 11/26/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

هناك ترجمات صدرت في مصر وفي بلدان عربية أخرى تبرز ضعف مُنجزيها لا في اللغة الأجنبية التي يزعمون إتقانها، وإنما في لغتهم الأم.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/11/26، العدد: 10824، ص(11)] خلال العقدين الماضيين تجدّد تطلعُ العرب إلى التعرف على الثقافة الغربية وعلى الثقافات الإنسانية الأخرى، وظهرت مراكز للترجمة في العديد من البلدان العربية، بما في ذلك البلدان الخليجية التي أصبحت تولي الترجمة عناية لم يسبق لها مثيل، موفرة لها إمكانيات مادية ومعنوية هائلة. مع ذلك علينا ألاّ نغفل عن الإشارة إلى مظاهر الفوضى والعجلة والتسيب والاستخفاف بالنصوص الأصلية، وعن مظاهر سلبية أخرى تتسم بها “طفرة” الترجمة هذه. ففي مصر مثلا سعى جابر عصفور إلى إحياء مشروع طه حسين المُتَمثّل في سلسلة “الألف كتاب”. ورغم بعض النجاحات، صدرت عن المركز القومي للترجمة الذي يشرف عليه ترجمات سيئة ورديئة من ذلك مثلا أنه تمّ اختصار كتاب “الجلد” للكاتب الإيطالي الكبير مالابارتي إلى 100 صفحة في حين أن حجم هذا الكتاب الذي يعتبر من أهم وأعمق الآثار الأدبية التي عرفتها أوروبا بعد الحرب الكونية الثانية يعادل 500 صفحة على الأقل! وهناك ترجمات صدرت في مصر وفي بلدان عربية أخرى تبرز ضعف مُنجزيها لا في اللغة الأجنبية التي يزعمون إتقانها، وإنما في لغتهم الأم. لذلك يجد القارئ نفسه مجبرا على ترك هذا الكتاب أو ذاك مترجما من اللغة الفرنسية أو الإنكليزية أو غيرها من اللغات وهو غير آسف بعد أن يكون قد أدرك أن قراءته له هي شكل من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي. وبسبب افتقار مراكز الترجمة للعارفين باللغة الروسية لا زلنا إلى حدّ اليوم، نقرأ قصص تشيكوف وغوغول وروايات تولستوي ودستويفسكي وغوركي في ترجمات أنجزت قبل أزيد من نصف قرن وعن الفرنسية مثلما هو حال ترجمات السوري سامي الدروبي. وهناك دور نشر تسعى إلى الربح السريع على حساب الجودة والإتقان تستخدم مترجمين قد يكون مستواهم في اللغة التي ينقلون منها أثرا من الآثار الأدبية أو الفكرية لا يتعدى مستوى دليل سياحي وفي تونس، وبحكم سيطرة الجامعيين عليه، يصدر المركز الوطني للترجمة كتبا لا يقرؤها حتى أهل الاختصاص في هذا المجال أو ذاك. كما تصدر هذه الكتب في طبعات رديئة كافيه لكي تجعل القارئ يعزف عن اقتنائها. ينضاف إلى كل هذا أن مراكز ومؤسسات الترجمة في البلدان العربية تعمل من دون أيّ تنسيق بين بعضها البعض. وكل واحد منها يعمل من دون تخطيط ومن دون تنظيم، وأحيانا من دون معرفة حقيقية بقيمة الكتب التي تصدر في البلدان الغربية أو الآسيوية أو غيرها. وربما يعود ذلك إلى أن المشرفين على هذه المراكز وعلى هذه المؤسسات يفتقرون إلى المعرفة الواسعة والعميقة بالثقافات الأخرى كما كان الحال بالنسبة إلى طه حسين ولويس عوض أو عبدالرحمن بدوي أو يوسف الخال أو غيرهم ممن صنعوا مجد ثقافتنا في النصف الأول من القرن العشرين. وهم لا يعلمون مثل هؤلاء أن الثقافة بكل مضامينها وأشكالها لا تتطور ولا تتقدم إلاّ بالاعتماد على ترجمات جيدة وعلى معرفة دقيقة بأصولها ومقاصدها وأهدافها. كاتب من تونسحسونة المصباحي

مشاركة :