يخطئ من يعتقد بأن إنهاء الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية في فلسطين، يأتي بضربة واحدة بعد خراب دام أحد عشرة سنه، تاريخ الإنقسام الفلسطيني، إن اللقاءات و الإجتماعات التي أسفرت عن إتفاقيات، رغم أهميتها، شيء و التطبيق على الأرض شيء آخر، الواقع يقول ذلك، والأسباب عديدة، أهمها مراكز القوى التي تشكلت خاصة الأمنية، إلى جانب رؤية الطرفين للمصالحة، التأثير العربي و الدولي في مسار المصالحة “حسابات السياسه و المصالح” وإسرائيل حاضرة بقوة، وهي شجعت ودعمت الإنقسام الفلسطيني إن لم تكن صاحبته، عوامل عديدة و إعتبارات متعددة. الخراب الذي حدث في قطاع غزة يحتاج لسنوات طويلة لإصلاحه، الناس إنتظرت إجتماعات القاهرة، بحذر، لأنها إعتادت النصوص والبيانات دون أن يرافق ذلك ترجمة على الأرض، ويبدو أن الراهن لا يختلف عن سابقه، إن لم يكن أسوأ، المعادلة الدولية والعربية إختلفت كثيرًا في غير صالح القضية الفلسطينية. عاد المتحاورون من القاهرة بخفي حنين، ورافق عودتهم صخب إعلامي، وتشكيك في مسار المصالحة، وتصدر ذلك الضجيج مسألة “التمكين” التعبير الإخواني الشهير للحكومة، أو “بسط سيطرتها” التعبير الأدق، المشهد في مواقع التواصل الإجتماعي، و عبر الفضائيات في مشهد يذكرنا بحالة الردح واللطم التي رافقت السنوات الأولى للإنقسام، والذي زاد المشهد تعقيدا، حديث الأخوين حسين الشيخ و عزام الأحمد عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح، عندما قالا و عبر شاشة تليفزيون فلسطين، إن تمكين الحكومة يساوي خمسة بالمئة، أو أقل. رافق ذلك هجوم حمساوي في مسألتين، الأولى وردا على نسبة الخمسه بالمئة أن تمكين الحكومة تم بدون عوائق وأنجز، والثاني موضوع الأمن، وعلى لسان السيد د. محمود الزهار، حين قال: إذا لم تقم السلطة بدورها فسيحدث إرباك سياسي وأمني في غزة، وآخر على لسان الناطق الرسمي بإسم شرطة حماس في غزة السيد أيمن البطنيجي للمركز الفلسطيني للإعلام، حين عبر عن رفضه المطلق لإعادة بناء الأجهزة الأمنية في غزة بلون واحد، ورفض أي شكل من أشكال الإقصاء. إذا صارت المصالحة وقضية “تمكين” الحكومة بهذا الشكل لن نصل إلى بسط السيطرة و إستعادة و حدة مؤسساتنا. على حماس أن تقرن قرارها بأن المصالحة قرار إستراتيجي لا رجعة عنه بالفعل على الأرض بشكل واضح و صريح، لا أن نشاهد ترددا وإرتباكًا في تسليم الوزارات، مثلما حدث عند زيارة بعض الوزراء، حادثة وزارة البيئة، في رفض تسليم ورفض تنفيذ قرار وقف الحفريات والتعديات في منطقة تل السكن الأثرية، وحادثة وزير التربية و التعليم العالي، و سلطة الأراضي … إلخ. إلى جانب تصريحات حركة حماس الأخيرة في مجال الأمن. وبمعنى آخر حماس تضع مصالح موظفيها ومصالحها في كف، والمصالح العليا للشعب الفلسطيني في كف آخر. قلنا في مقالات سابقة إن البداية التي بدأها الطرفان في المصالحة كانت خاطئة، فالبداية بالتفاصيل أربكت المشهد ووضعت الناس في حيرة، كان من المفترض أن تكون البداية بالتوافق على البرنامج السياسي، الذي يوحد الفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة، وبعد ذلك تأتي الحكومة و الإنتخابات ومنظمة التحرير، وبسط السيطرة يأتي تتويجا لإتفاق شامل، ولكننا ضعنا بالتفاصيل. عودة لقضية التمكين، كان من المفترض على الحكومة أن تسير بشكل مختلف قليلا، وأن تضع ثقلها، من خلال تحديد رؤية شاملة لبسط السيطرة وجدولا زمنيا لذلك، وتحديد الأولويات والهدف، هذا لم يحدث، وشعر المواطن أن الحكومة ضائعة مثله تماما، زيارات شكلية، وإرتباك وعدم يقين، كان من المفترض أن تأتي الحكومة إلى غزة لتقيم على الأقل شهرا، وتباشر عملها بإستلام الوزارات والمؤسسات فعلا لا شكلا، من خلال بروتوكولات إستلام رسمية، تحدد الموجودات والممتلكات وعدد الموظفين من الطرفين و البدء بتشكيل لجان في كل وزارة على حدة للدمج، وتحديد الإحتياجات والموازنات التشغيلية اللازمة، كل هذا بإشراف مباشر ويومي من قبل السيد رئيس الحكومة د. رامي الحمدالله، من خلال زيارات ميدانية، لتحديد التكلفة والموازنات اللازمة لإعادة تشغيل قطاع غزة ضمن السلطة الفلسطينية، ويرافق ذلك عمل اللجنة الإدارية الوزارية لإستيعاب وتقييم موظفي حركة حماس لأن هناك مسؤولية أخلاقية تجاههم تحتم أن تتم المعالجات الإدارية بسرعة وشفافية. إذن الذي تم طيلة الفترة الماضية ليس إستلامًا أو تمكينا، بإستثناء تسلم المعابر الخمسة. *كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :