إيران المصرة على الالتحاق ببرنامجها التدميري، ستأخذ معها العراق إلى ماض، لن يتمكن ذلك البلد المنكوب من الخروج من ليله الذي سيكون من غير نهاية.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/11/30، العدد: 10828، ص(9)] فيما هددت إيران أوروبا بضربها من خلال زيادة مدى صواريخها الباليستية، تستعد المملكة العربية السعودية للبدء ببناء مدن المستقبل الذكية. المسافة هائلة بين الدولتين. وهو ما يعرفه الكثيرون، ويدركون أيضا أن الخلاف بينهما لا يقوم على خلاف عقائدي تحاول إيران خطف الأنظار إليه، بل على موقف كل طرف من الحياة. ليس لدى إيران سوى عقيدة رثة وبالية تسعى إلى تصديرها إلى دول المنطقة بالرغم من أنها تعرف جيدا أن هلاكها مؤكد إن هي ارتكبت، مدفوعة بطيشها، خطأً هو جزء من استراتيجيتها في إدارة أزماتها. ذلك الخطأ يمكن أن تعتبره دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية واقع حال، وعليها أن تتوخى الحذر وتتخذ الإجراءات التي من شأنها أن تدفع الضرر الإيراني بعيدا عنها. عسكرة المنطقة هي هدف إيراني. فالبلدان العربية التي سقطت تحت النفوذ الإيراني، بمساهمة لافتة من بعض أبنائها الذين لا يملكون شعورا وطنيا، صارت ساحات لاستعراضات عسكرية، كلها تشير إلى إيران. نحن في غنى عن الاسترسال في الحديث عما آلت إليه الأوضاع في تلك البلدان من خراب اجتماعي وانهيار اقتصادي وانكفاء وعزلة استفادت منها طهران في الاستقواء على الدول العربية المجاورة الأخرى، وبالأخص دول الخليج العربي التي تسعى إلى أن تضعها في دائرة الخوف وتفرض عليها خيار العسكرة وهو خيار أثبتت تلك الدول أنها لن تقع في فخه. مدن المستقبل أو المدن الذكية لم تعد جزءا من خيال، بل صارت حقيقة بالنسبة لدول الخليج العربي وبالأخص في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. كان طبيعيا أن تقدم تلك الدول نموذجا مغايرا عن النموذج الإيراني. فهي دول بناء، فيما دفع نظام الملالي إيران إلى أن تكون دولة هدم. وكما يبدو في ضوء التهديدات الإيرانية الموجهة إلى أوروبا فإن المسافة التي تفصل بينها وبين جيرانها العرب ستتسع في المستقبل القريب. ستدفن إيران نفسها في قبر خرافة تفوقها العسكري، فيما تندفع السعودية والإمارات إلى المستقبل بقوة دفع ذاتي، مصدرها الثقة بالعصر والانفتاح على تحولاته. المؤسف في الأمر أن إيران، وهي المصرّة على الالتحاق ببرنامجها التدميري، ستأخذ معها العراق إلى ماض، لن يتمكن ذلك البلد المنكوب من الخروج من ليله الذي سيكون من غير نهاية. ولكن لِمَ استثنيتُ العراق باعتباره الضحية المؤكدة لمستقبل إيران المظلم من بين الدول العربية الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية؟ لقد سعت المملكة العربية السعودية غير مرة إلى مدّ اليد لمساعدة العراقيين في الخروج من متاهة واقعهم الملتبس، غير أن الأطراف العراقية المهيمنة على القرار السياسي كانت تقف دائما ضدّ ذلك المسعى، ما يؤكد أن العراق قد وضع من خلال سياسييه الأكثر نفوذا مصيره في إطار المصير الإيراني. وهو ما لا يمكن تطبيقه على الدول الثلاث الأخرى حتى الآن على الأقل. يلتفت بعض العراقيين عن جهل إلى السعودية حين يتعلق الحديث بماضوية النظام الإيراني من غير أن يحتكموا إلى الوقائع، التي صارت تؤكد أن السعودية، التي نفضت عن نفسها تداعيات الحقبة التي تلت قيام جمهورية الخميني الإسلامية، هي اليوم دولة ذاهبة إلى المستقبل. لا مجال للمقارنة بين إيران والسعودية. فالسعودية المحصنة على مستوى الدفاع عن أجوائها وحدودها وسيادتها لا تهدّد أحدا وليس في نيتها أن تتبنى مبدأ العسكرة في أيّ مكان تصل إليه. لا تجبر السعودية أو الإمارات أحدا من أجل الالتحاق بهما كما تفعل إيران، غير أن ما سيكون صادما لأجيال قادمة من العراقيين أن أسلافهم قد أهدروا فرصا كان من شأنها أن تشفي العراق من أمراضه لتضعه على عتبة العصر وتنقله إلى المستقبل حين فضلوا الاحتماء بالعباءة الإيرانية لمتابعة فيلم وقعت أحداثه قبل ألف وأربعمئة سنة. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :