مصير فيلم عن الرحيل عبر آلة الزمن لتغيير النهاياتحفلت أفلام الخيال العلمي بمعالجات حملت الكثير من الفانتازيا وجماليات المستقبل في ما يتعلق بعنصر الزمن، وبقي هذا العنصر تحديا وموضوعا جذّابا في آن واحد، فعبور الزمن وتجاوز سيطرته على تواريخ الأحداث والتحولات، والرجوع إلى الماضي أو الذهاب إلى المستقبل كلّها تنويعات صارت هي الأكثر شيوعا في المعالجات السينمائية.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/12/04، العدد: 10832، ص(16)]الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة واحدة لعل مشاهدة أي فيلم من أفلام الخيال العلمي التي تعالج إشكاليّة الزمن في ثلاثيته: الماضي والحاضر والمستقبل ستحيل حتما إلى معالجات سابقة نحت ذات المنحى، وإن بأساليب مختلفة استخدمت فيها الأدوات السينمائية من أجل بلوغ درجة عالية من التشويق والجذب من جهة والاختلاف عن تجارب مماثلة من جهة ثانية. وفي فيلم “مصير” للمخرج دان شيلدون، وهو نفسه كاتب السيناريو (إنتاج 2017) تتجه الدراما الفيلمية باتجاه إيجاد حلول ما لولوج الزمن واختراق سطوته، وصولا إلى قلب الأزمنة والعيش في مراحل زمنية مختارة، وذلك باستخدام ماكنة زمن هي بمثابة اختراع علمي جديد. ويحيلنا هذا الفيلم وهو يرتكز على ثنائية اللعب بالزمن وإنتاج ماكنة تنقل الكائن البشري إلى الماضي أو المستقبل إلى سلسلة من الأفلام التي عالجت الإشكالية نفسها، وإن بأسلوب مختلف، ونذكر منها أفلام “ماكنة الزمن” (إنتاج 1966) و”زمن بعد آخر” (1979)، و”شرطي الوقت” (1981)، و”زمن قطاع الطرق” (1982)، و”العودة إلى المستقبل” (1985)، و”سلسلة الفاني” (1986)، و”جيش الظلام” (1993)، و”شفرة المصدر” (2011)، و”الحلقي” (2012)، و”النجمي” (2014)، و”حافة الغد” (2015) و”الوصول” (2016) وغيرها. وفي فيلم “مصير” يسعى كونور (الممثل دانييل بونجور)، وهو عالم شاب في مجال الفيزياء بمساعدة صديقه جوناس (الممثل جيري هوفمان) إلى تطوير أبحاثهما في علوم نظرية الكم والفيزياء الحديثة، وصولا إلى السيطرة على القطبية المغناطيسية التي تتيح لهما اختراق الزمن وقلب معادلاته. وخلال هذه العملية يسعيان إلى اكتشاف ما عرف بآلة الزمن التي يمكن بواسطتها التنقل عبر الأزمنة والعودة إلى الزمن الحاضر، وعبر التجارب المضنية تدخل الحياة الشخصية لكونور على مسار الدراما، وهو خط سردي تشابكت من خلاله الأحداث. وبسبب انشغالات كونور في أبحاثه، فإنه لا يستطيع الوفاء لخطيبته ابريل (الممثلة آني كلير لاش) ثم تحاول إحدى مساعداته إغواءه إليها، وذلك ما تكتشفه الخطيبة لتخرج إلى عرض الشارع وتقضى في حادث دهس من سيارة مسرعة.الفيلم زج عناصر بصرية متنوعة لدعم المشاهد ومنح قدر من الإقناع في المعالجة، ومع ذلك سقط في النمطية وهذا الحدث يقلب حياة كونور رأسا على عقب متزامنا مع نسف مشروع الانتقال عبر الزمن برمته من قبل الجهة المموّلة التي يرأسها الوكيل سبنسر (الممثل مارشال هيلتون)، والذي يقود بدوره سلسلة من عمليات المداهمة والمراقبة ضد كونور وصديقه. وبعد عام من توقف المشروع يكتشف كونور أن صديقه جوناس كان قد واصل أبحاثه، وأنه بصدد الوصول إلى اكتشاف آلة الزمن، ويكتشفانها فعليا، ويكون ذلك دافعا لكونور للرحيل عبر الزمن إلى الماضي لكي يحول دون مقتل صديقته. وهكذا يجري تكريس أغلب المشاهد الفيلمية اللاحقة، إما لتعقب المشروع من قبل سبنسر ومجموعته وإما عبر المحاولات غير الناجحة لكونور للوصول في الوقت المحدد قبيل مقتل الحبيبة، وخلال ذلك يسلّم كونور لنفسه، أي لنسخته، التي تعيش في الماضي كرّاسا يضم تفاصيل ما سيجري له مستقبلا، وكيف أن عليه الحيلولة دون مقتل ابريل. هذه الدائرة المتشابكة في تحوّلات الزمن لا تبدو متماسكة بما فيه الكفاية لكي تجذب المشاهد، فيجد في هذه المعالجة ما فيه اختلاف عن العشرات من الأفلام التي تناولت هذا الموضوع، مع أن المخرج وكاتب السيناريو دان شيلدون سعى إلى الزج بحبكات ثانوية متتابعة لإنقاذ الإيقاع الفيلمي والحيلولة دون الرتابة في عرض الموضوع. ولعل من التحديات الأخرى في مسار الأحداث، هو أن الحوار كان في الغالب يتم بين كونور وزميله ويظهر مراحل قيامهما بالأبحاث والتجارب ممّا لم يضف عناصر جذب جديدة لتلك الدراما. واقعيا بدا الاشتغال على مشروع آلة الزمن والأدوات التقليدية من أنابيب وعُدد لحام وغيرها تحمل تبسيطا مبالغا فيه في وسط العاصفة الرقمية التكنولوجية التي نعيشها الآن، وكأن تلك العمليات أقرب إلى واقع الستينات أو ما قبلها في بناء ماكنة الزمن، فضلا عن أجواء المختبرات التي جرت فيها التجارب التي هي أقرب إلى القاعات الدراسية. وفي مقابل ذلك، يلفت النظر الأداء المميز الذي جسدته الشخصيات، خاصة كونور وابريل باحتراف عال، فيما بدت المشاهد البوليسية للوكيل سبنسر فيها الكثير من الافتعال والمبالغة. وزج الفيلم عناصر بصرية واستخدم المونتاج وزوايا التصوير المتنوعة والإضاءة لدعم المشاهد الفيلمية ومنح قدر من الإقناع في المعالجة، لكن كل ذلك كان إضافة لم تفلح في الارتقاء بجوهر الثيمة الأساسية للانتقال عبر الزمن والأدوات التي تتطلبها تلك المغامرة. وما يلفت النظر أيضا المشاهد الختامية، والتي استطاع فيها كونور أن يصل إلى الوقت الذي ستقع فيه حادثة دهس صديقته، حيث أنه لم يفلح في المرات السابقة في الحيلولة دون مقتلها، ليقدم نفسه بديلا، كما يبدو، لكي يموت هو وتنجو حبيبته، وهي خلطة إضافية لم يكن لها من موجب ولا تحمل ما يكفي من إقناع.
مشاركة :