مازلنا في انتظار من سيكتب سيرة الطغاة العرب المعاصرين بطريقة خارقة وعجائبية مثلما فعل أستورياس وغابريال غارسيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/12/05، العدد: 10833، ص(14)] أعتقد أن أفضل الروايات التي كتبت عن الدكتاتورية جاءتنا من بلدان أميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاراييبي التي حكمتها أنظمة دكتاتورية واستبدادية بشعة، مُحولة إياها إلى سجون رهيبة، فيها تداس القيم الإنسانية، ويعذب الإنسان ويقهر ويمثل به بل ويعدم في واضحة النهار وسط صمت مريع. وبالرغم من الرقابة الشديدة المضروبة على الفن والإبداع من قبل تلك الأنظمة، فإن بعض الكتاب استطاعوا أن يحولوا الفظائع والجرائم التي ارتكبها قادتها، والفواجع التي تسببوا في حدوثها إلى روايات ملحمية عظيمة عكست الفترات السوداء التي عاشتها شعوب أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاراييبي. ولعل رواية “السيد الرئيس” للكاتب الغواتيمالي ميغال إنغال أستورياس الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1967، هي من أفضل الروايات التي عالجت موضوع الاستبداد والقهر في ظل الأنظمة الدكتاتورية، فهي عبارة عن ملحمة اجتماعية وسياسية تعكس أوضاع بلد يعيش في ظلمات الطغيان والعنف، وليس أمام شعبه غير خيارين وحيدين: إمّا الموت وإما الخضوع التام للنظام القائم، وتحديدا لقائده الأوحد الذي يحب أن يسمي نفسه “أب الشعب”. وقد استطاع أستورياس أن يحرر روايته من “المحلية”، مانحا إياها بعدا كونيا. وحتى وإن هو اختار أن تكون شبيهة بأسطورة عجائبية، فإنها جاءت عاكسة للواقع اليومي بجميع تفاصيله. ويمكن أن نقرأ رائعة الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز “خريف البطريرك” كما لو أنها قصيدة ملحمية من الصنف الرفيع. ففيها يجنح الخيال بصاحبها بعيدا فإذا بنا إزاء حاكم متسلط يعيش أزيد من قرنين، مجسدا بذلك سيرة كل الدكتاتوريين الذين حكموا بلدان أميركا اللاتينية في مراحل مختلفة من تاريخها. ومثل “السيد الرئيس” ينتهج هذا الدكتاتور سياسة ظالمة وعنيفة تجاه شعبه. ومثله يكون تعطشه للدم والجريمة بلا حدود. أما القيم والأخلاق فلا تعني له شيئا، لذا يدوس عليها من دون أي تردد لإشباع رغباته السادية. وعندما تبلغه أمه بشكاوى الناس، يصيح في وجهها غاضبا “سحقا لهم…ليذهبوا جميعا إلى الجحيم”. وبالاضافة إلى غطرسته وجهله الفادح، فإن الدكتاتور يعاني من أمراض نفسية خطيرة تزيد في احتداد نوازع الشر عنده فيصبح التنكيل بأبناء شعبه، وحتى برجال حاشيته لعبة ممتعة ومسلية للغاية. في روايته “حفلة التيس” يتطرق ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2010 إلى مرحلة الدكتاتور رافئيل ليونيداس تروجيلو الذي حكم سان دومينغ من عام 1930 حتى عام 1961، ومثل كل الطغاة كان تروخيلو الذي كان شخصية مضحكة بقامة قصيرة وشارب على شكل شارب هيتلر، حاكما متسلطا وكذابا ومنافقا وعنيفا ومريضا بجنون العظمة، وليلا نهارا كان يتجسس على أبناء شعبه مرسلا عيونه إلى كل مكان، مكتسبا رضا وزرائه وأتباعه بالرشوة والتشجيع على الفساد. ومن خلال الحزب الذي كان يتزعمّه استولى على أغلب أراضي بلاده، وأنشأ إمبراطورية مالية هائلة، وقتل ما يزيد على 20000 من أبناء شعبه وسمى نفسه “ولي نعمة الوطن” كما سلح حراسه ورجال شرطته بهراوات حديدية لقمع المتظاهرين وإسكات أصوات المعارضين. لقد قال ميلان كونديرا ذات مرة إن الروائي يكتب التاريخ بشكل آخر. والتاريخ العربي المعاصر مطبوع بالاستبداد والتسلط والقهر والظلم في أبشع مظاهره. غير أن الرواية العربية لا تعكس ذلك إلا في جزء ضئيل. لذا يمكن القول إننا مازلنا في انتظار من سيكتب سيرة الطغاة العرب المعاصرين بطريقة خارقة وعجائبية مثلما فعل أستورياس وغابريال غارسيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا. كاتب تونسيحسونة المصباحي
مشاركة :