منذ مدة طويلة قررت الا أتابع نشرات الأخبار على الشاشات الفضائية كلها لأنجو بنفسي من كهف الجنون الذي يغرق فيه العالم وكي لا أفقد توازني وأجن وأبعد عني كوابيس الليل التي تلاحقني كما تلاحق الكثيرين في مناماتهم بسبب الأوضاع والأحداث التي جذبت كثيرين إلى الرقص في حفلة الجنون التي تكبر يوماً بعد يوم. كنت أعتقد أن ذلك حل مناسب للتخلص من صداع الجزيرة والعربية وسكاي نيوز وغيرها ومن مشاعر القهر والشقاء التي تجتاحنا نحن المشاهدين العرب عند التسمر أمام محطات الهشتك بشتك التي انتشرت كخلايا السرطان في الدم وأن أتصفح عوضاً عن ذلك بعض المواقع الخاصة التي قد تُغني إلى حد ما عن تلك المذيعة الخشبية البيضاء التي تلثغ بعدة حروف عربية إلا أن المنحوس منحوس «مهما قال للنكد رايح أتفسح يقوله وراك وراك»، أوقعني حظي العطب وأنا أبحث عن موقع مناسب كبطل أولمبي يستعد لإحدى المسابقات على موقع خاص كان يستعرض حملة «Ice Bucket Challenge» أو تحدي دلو الثلج وهي حملة تهدف إلى نشر الوعي حول مرض التصلب العضلي الضموري وهو مرض رديء يؤثر على الخلايا العصبية والنخاع الشوكي مسبباً شللا تاماً في جميع أعضاء الجسم.. صاحب الفكرة هو لاعب البيسبول الأمريكي السابق «بيت فرات» الذي أصيب بالمرض وابتكر هذه التقليعة التي تنحصر في قيام شخص بتلقي سكب وعاء مثلج على جسده ودعوة شخص آخر للتحدي وإذا رفض الشخص الآخر عليه أن يتبرع على الأقل بمبلغ 100 دولار أمريكي وكان هدفه وما زال من هذه التقليعة مساندة الأبحاث الجادة والمهتمة بهذا المرض، وشاهدت على الموقع كغيري جاستن بيبر يشارك في الحملة وريتا أورا وتايلور سويفت وجايمي كنغ وكرستيان رونالدو وكرسي برت وإيفا لونغوريا وبيل غيتس وشاكيرا وزوجها وديفيد بيكهام وزوجته وبرتني سبيرز والرئيس السابق جورج دبليو بوش الابن الذي تحدى بيل كلنتون، ولأننا شعب مهووس «بالاستيراد الأعمى» ظهرت فيفي عبدو وهيفاء وهبي وراغب علامة وآخرون وعجت صفحات الحسابات الشخصية «الفيس بوك» و«الانستجرام» بصورهم وهم يسكبون الماء المثلج على رؤوسهم ويعلنون التحدي.. ولم تقتصر هذه الهوسة والجعجعة الفارغة بين الفنانين فقط بل انتشرت تلك الحمى بين اناس غائبين مغيبين تبهرهم تصرفات الفنانين وتأسرهم عبودية المظهر ممن استوردوا مع فنانين من قبل من شوارع أوروبا وأمريكا الحواجب السميكة المستقيمة والموشومة والأنوف المعقوفة والوجوه المتورمة والشفاه المنفوخة والجلود المشدودة، وتابعت بكآبة تعودت عليها تجعلك تحس العالم الضخم أحياناً من حولك يستحيل إلى خرم ابرة.. فتاة عربية لا ترتدي الكثير من الملابس قبيحة الشكل لو مرت وسط غنم وأنت بصدد الزواج منها لأخطأتها وأخذت عنزة بدلا منها تستقبل الماء على جسدها وتنتفض في حركة استعراضية بلهاء وهي تصرخ من البرد، وفي سذاجة متناهية ظهر عجوز كخرابة مهجورة في مقطع كوميدي رديء باهت بملابس داخلية شفافة يتلوى تحت الماء البارد.. رجل لم تتبق شعرة سوداء واحدة في رأسه كما أن ملامح وجهه وبنيته الجسدية المترهلة توحي لك أنك امام مومياء فرعونية غادرت تابوتها للتو، كان يتصرف بشكل لا يتلاءم وسنوات عمره ولا يتناسب ووقار الشيب الذي التهم دون رحمة سواد شعره، كنت أتأمل كامل تلك المسرحية الهزلية التي تطحن المشاعر وتدوس على الوجدان بسخرية ممزوجة بسم غاضب، مغالباً أحزاناً تنهش قلبي وأسئلة عميقة تجول في خاطري إلى متى يعيش بعض الفنانين العرب حياتهم فاقدي الإحساس بمسؤولياتهم ورسالتهم كفنانين ومتى سيفرق هؤلاء الفنانون بين السلبي والإيجابي وإلى متى سيظلون مغيبي الفكر منغمسين في فلسفة القطيع والاهتمام بالقشور بدلا من الغوص في الأعماق، نعم القشور والممارسات الاعتباطية في ليل عربي ثقيل تتراكم فيه الخيبات والإحباطات التي أرخت سدولها علينا بكل أنواع الهموم والابتلاء، والتهمت واقعنا وتُقبل بنهم على التهام ما تبقى من مستقبلنا!
مشاركة :