المختبرون يشعرون بأنه لم تعد لهم حاجة لمنح رخصة السياقة، بينما النظام الآلي الجديد يرى وفق الذين يقفون خلفه، أنه يقدّم تقييما أكثر واقعية لمهارات القيادة على الطرق الحديثة. العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/12/11، العدد: 10839، ص(24)] في المدارس البريطانية لا يوجد امتحان في المفهوم الذي ارتجفت منه قلوبنا عندما كنا صغارا في بلداننا العربية، الامتحان مرحلة متقدمة من فكرة “الكتاب المفتوح”، لذلك لا يصاب التلاميذ في بريطانيا برهبة الامتحان كما كنا نصاب بها، لكن تلك الرهبة المخيفة مازالت قائمة في اختبارات الحصول على رخصة السياقة، إلى درجة شكلت عقدا نفسية لعدد هائل من الأشخاص قبل اجتيازها. إن تحصل على رخصة قيادة في بريطانيا عليك أن تخضع لامتحان صارم يبدأ بالاختبار النظري بعد حفظ أجوبة مئات الأسئلة المقترحة عن علامات الطريق والاختيار وكيفية التصرف أثناء القيادة، وبعد اجتياز هذا الاختبار تدخل الامتحان الحقيقي حيث يجلس جوارك “السيد المُختبِر” وعليك قيادة المركبة وفق كل الاحتمالات المتوقعة أمام السائق، بدءا من اختيار المسار المناسب وحتى طريقة الاستدارة والرجوع وإيقاف المركبة بين مركبتين من دون أن تصعد على الرصيف، وقد تفشل في الاختبار لأنك لم تنظر في المرآة الأمامية مثلا قبل الاستدارة أو لم تشعل الإشارة الضوئية… أنت في النهاية خاضع لمزاج المختبر فهو وحده من يملك سلطة نجاحك وفشلك والقانون البريطاني يمنحه هذا الحق كاملا من دون رجعة، الأمر الذي دفع الكثير من الممتحنين إلى اتهام المختبرين بافتقاد العدالة والمزاجية بل وصلت بعض الاتهامات إلى العنصرية! عندما أتحدث عن نفسي شعرت بعذاب الامتحان الحقيقي قبل أن أعبر اختبار السياقة بعد محاولتين فاشلتين، كان نجاحي في المرة الثالثة أشبه بفرحة نجاح امتحان البكالوريا! عندما أخبرني المختبر الجالس جواري بعد أقل من ساعة من القيادة بأنني نجحت غمرتني الغبطة ومن فرط سعادتي طلبت معانقته فرفض مبتسما. هذا الاختبار القاسي تغيّر قبل أيام في بريطانيا ولم تعد للسيد المُختبر سوى سلطة المراقبة لا أكثر، يجلس جوار السائق ولا يتحدث، هناك كمبيوتر معلق في المركبة سيقوم بالمهمة ويصدر الطلبات للسائق: استدر يمينا، ارجع إلى الخلف، خذ المسار الرابع، توقف، اخترْ المرآب بين السيارتين… من دون أن ينسى هذا الجهاز العادل أن يراقب نظرة السائق إلى المرآة وعمّا إذا كان قد أشعل الإشارة عند الاستدارة أم لا. في النهاية لا يمكن لأحد أن يتهم الكمبيوتر بالعنصرية، لكن مثل هذا القرار لن يرضي نقابة أعضاء خدمات الاختبار، الأمر الذي دفعهم للاحتجاج الأسبوع الماضي خشية من أن يأخذ الإنسان الآلي مكانهم وينهي طبيعة عملهم. المختبرون يشعرون بأنه لم تعد لهم حاجة، بينما النظام الآلي الجديد يرى وفق الذين يقفون خلفه، أنه يقدّم تقييما أكثر واقعية لمهارات القيادة على الطرق الحديثة. كرم نعمة
مشاركة :