الأصل في التساؤل، هل شعر الكمبيوتر بالخجل وهو يستولي على فرصة غيره في العمل، ماذا يعمل الإنسان إذا كان الكمبيوتر الذي صنعه وطوره صار ينافسه في العمل حتى أزاحه كليا؟ العربكرم نعمة [نُشرفي2016/10/17، العدد: 10427، ص(24)] قبل أن ترفع مايكروسوفت شعارها الشهير “المعلومات عند أطراف الأصابع” وهي تروج لأنظمة التشغيل التي كانت بدائية، كان ثمة تعريف للكمبيوتر يوصف بأنه معلم صبور لا يتذمر ويتقبل الأسئلة الساذجة من البشر! لم يفقد الكمبيوتر صبره معنا، لكنه في واقع الأمر استحوذ على فرصنا وجعلنا مرغمين على الانقياد له، إنه يرشدنا إلى كل الطرق دون استثناء، يسلينا، يبث نوعا من الحنين لما نود استذكاره، يدير شؤوننا، يتحكم بحساباتنا المصرفية، حتى وصل إلى أن يتطفل على علاقتنا مع شركائنا، فهو لم يكتف بدور المعلم الصبور، إنه أكثر من ربيب. انتهت مراجعاتي إلى المصرف منذ أكثر من ثلاثة أعوام تقريبا، فلم أعد بحاجة إليه، لان حسابي الإلكتروني يوفر لي ما أود إجراءه من دفع الفواتير وتحويل الأموال وسحبها، لكنني عندما جربت أمرا عابرا على مبنى البنك، اكتشفت وجهه الرقمي، فهذا المبنى ليس البنك الذي أعرفه، لم تعد ثمة نوافذ يجلس خلفها المحاسبون يمنحوننا الأموال والابتسامات، وإنما مجرد كمبيوترات ذكية تستجيب لنا بلا ملل، أين ذهب الموظفون؟ ليس البنك وحده من غيّر وجهه الإنساني بآخر كمبيوتري، فمحطات القطارات فعلت الأمر نفسه، فقاطع التذاكر لم يعد يتباهى بمعرفته توقيتات انطلاق ووصول القطارات، لأن نافذته استبدلت بجهاز يقطع التذكرة بأسرع مما كان يفعله! استعلامات المستشفى والاستمارات الطويلة التي كان يتوجب ملؤها قبل مقابلة الطبيب تلاشت أيضا، فثمة أجهزة ذكية هي موظف استعلامات في المستشفى، بمجرد أن تذكر اسمك وتاريخ الميلاد سيعرض عليك الأسئلة وحزمة من الخيارات السريعة، ويرشدك بعدها إلى طريق الطبيب، الذي قد اطلع على كل ما يخصك في كمبيوتره ويكون جاهزا لتشخيص علتك. توقعت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد بأن 50 بالمئة من المهن عرضة لاستبدال البشر كليا بالذكاء الاصطناعي. وهذا ما يؤكده أنثوني غولدبلوم خبير الذكاء الاصطناعي بالقول إن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستحل محل المدرس وتقيم مواضيع الإنشاء وإعطاء الدرجات المناسبة بدقة تساوي دقة البشر، وكذلك تستطيع تحليل الآلاف من صور العيون خلال دقائق وبدقة تفوق ما أنجزه طبيب العيون خلال حياته المهنية. لكن أين يذهب كل هؤلاء العاملين في المصارف ومحطات القطارات واستعلامات المصحات والمكاتب الخدمية؟ هل حقا نحن سعداء بأن يكون الإنسان الآلي شريكا لنا في الحياة يخدمنا منشرحا وبلا انفعال، لكنه في الوقت نفسه يحاصرنا ويستحوذ على فرص عملنا؟ هل شقيقنا الجديد قادر على البوح والحب والجدل في التحاور ويشاركنا السفر والنوم؟ فمن بين الابتكارات الجديدة طفل آلي ترضعه النساء العاجزات عن الإنجاب لمساعدتهن في الشعور بحنان الأمومة! الأصل في التساؤل، هل شعر الكمبيوتر بالخجل وهو يستولي على فرصة غيره في العمل، ماذا يعمل الإنسان إذا كان الكمبيوتر الذي صنعه وطوره صار ينافسه في العمل حتى أزاحه كليا؟ كرم نعمة :: مقالات أخرى لـ كرم نعمة مع من نتكلم؟, 2016/10/17 صناعة الأخبار: أزمة داخل أزمة, 2016/10/15 الناس صارت تگرأ ولا تقرأ, 2016/10/10 الصحافيون ليسوا عملاء سريين, 2016/10/08 الساعاتي لا يخادع, 2016/10/03 أرشيف الكاتب
مشاركة :