من سُنن الحياة أنها لا تُبقي على حال، ولن تكون يوماً في سعادة دائمة، ولا في حزنٍ مستمر، فمهما كان وقتك جميلاً أو سيئاً، تذكَّر أن هذا الوقت سوف يمضي. وعلى ذكر السُّوء ليس الأمر كذلك في أكثر الأحيان (وإن كنت أعتقد أنه في كلها)، فمهما كنت على طريق الحق تأكّد تماماً أن التحديات ستكون أكبر ولن تنتهي، فالحق والابتلاء صديقان قديمان متلازمان لا يتفرقان، حتى تصل إلى مفترق طريق في ابتلائك هذا يكشف لك الخبيث من الطيب في حياتك هذه، والأهم أنه سيكشف لك حالك أنت قبل كل شيء. وللمواساة مهما كثر وكبر علينا ابتلاؤنا؛ لنذكر الحق الأول والابتلاء الأعظم لرسول الحق مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام؛ لما لنا فيه من أُسْوَة نقتدي بها، إن كنّا نرجو الله واليوم الآخر؛ لتعرف كيف كان حاله في أعظم ابتلاء قد يتعرض له أحد في هذه الدنيا..العِرض والشّرف! حين تحدّث الأفَّاكون في أحب الناس إليه، آذاه ما قِيل أَذى شديداً، وقد كان الغضب والهمُّ معروفين في وجهه وسلوكه، ثقل عليه الأمر الكبير، حتى لم يكن ليتكلم من شدة ما به مع زوجته، وهو يعلم مرضها بعد علمها بما قِيل فيها، ويكتفي إذا دخل بيته بقوله: "كيف تِيكم؟". لا شكّ أنه أعلم الخلق بزوجه، وببراءتها مما اتهُمَت به، ومع ذلك كان تامَّ الصدق والصبر. تخيل معي.. أن تنتظر شهراً كاملاً لتسمع براءتك، وأنت على يقين منها.. سجيناً في همّك، وقد كثرت عليك سهام التُّهم التي تخترق قلبك، مع استطاعتك النّفي بما تمتلك من السلطة، فلا يمكن لأحد أن يُكذّب النبي، فمن يتجرأ على ذلك من المسلمين يُستباح دمه ويُقتل. لكنه كان رحمة للعالمين، مكتمل اليقين في ربه، بأنه سينتصر له، ويؤيده. توقف الوحي، والنَّاس يخوضون، كلٌّ على شاكلته؛ حتى مِسطح بن أُثاثة، ابن خالة أبيها أبي بكر الصديق، الذي يُنفِقُ عليه أبو بكر لفقره، تكلم في عِرض ابنته. ثم أنزل الله آيات تُتلى إلى قيام الساعة، تنفي هذا الإفك، بل وتكرّم مَن اتهمت به بهذا التنزيل. العبرة من هذا كله أن ندرك أن مصائبنا المتتابعة ليست عَبَثاً، فهل كان الله يريد أن يُعاقب رسوله أو أن يختبره في هذا؟ بالطبع لا. كان الاختبار للمؤمنين؛ ليرى المُبتَلى الحق جلياً، وليعرف ما تخفيه نفوس من حوله. ففي الحقيقة كل همٍّ أصابك وكل ابتلاءٍ عظيم وقع عليك ما هو إلا خير يُظهر لك العدو قبل الحبيب، ويجعلك تغير وجهة نظرك في أمورٍ كثيرة كنت تجزم جزماً قاطعاً بسلامتها. فهل كان النبيّ -صلى الله عليه وَسَلَّم- يخطر بباله أن يُتهم في عرضه من بعض من انتمى إليه وأعلن الولاء له ولو نِفاقاً؟ أم هل كانت عائشة -رضي الله عنها- لتفكر بأن يجرؤ أحد على قذفها وهي زوجة أشرف الخلق؟ أو هل كان أبوها يتوقّع أن يطعن أحدٌ في عرضه من أقاربه وهو الذي ينفق عليه؟ أو هل كان الصحابة جميعاً يحسبون حساب هذه الفتنة المفاجئة؟ الدنيا حياة اختبار لا قرار.. فعندما تنتهي من اختبار، لا تتوقع أن تحصل على إجازة تستطيع فيها أن تُزيل آثار الإجهاد مما حدث لك. بل ما إن تنتهي من ابتلاء ستصادف آخرَ كلما كُنتَ ذَا مبدأ وحق، وهذا هو الدليل، فكل ما نحن فيه الآن من فتن كقطع الليل المظلم ما هي إلا اكتشافات كفلق الصبح الأبيض، توضح لنا من هو فاجرٌ فينا ومن هو بار بِنَا. وقبل كل شيء تُظهر لنا معدننا الحقيقي؛ لتسأل نفسك: كيف كان حالي في أسوأ فتنة مرّت بي؟ وهل لديَّ من العزيمة القوية التي تجعلني أكثر تحملاً وثباتاً في بلاءٍ أعظم؟! تأكد أنها حقيقة واحدة لا تتغير مهما تبدلت الأحوال، قال تعالى: "مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ"، إن كُنتَ أنت هذا أو ذاك، أو كانوا هم. ــــــــــــــــــــــــــــــ * المصادر: - البخاري، حديث (7416). - عائشة أم المؤمنين - (الدرر السنيّة). ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :