لقاء الإيليزيه بين السبسي وماكرون كان فرصة لتأكيد المصالح المتبادلة، ومناسبة لإرساء مقايضة خفية بين البلدين.العرب عبدالجليل معالي [نُشر في 2017/12/14، العدد: 10842، ص(9)] اللقاء الذي جمع الرئيسين التونسي الباجي قائد السبسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، يمكن توصيفه بلقاء الأمن والاقتصاد. اتجاه نظر الرئيسين إلى العلاقة وإلى ما ينتظر أحدهما من الآخر كانا متباينين، لكن اختلاف النظرتين لم يكن يحول دون توحيد الرؤى أو حتى الوصول إلى ضرب من مقايضة مضمرة من السياستين. الرئيس التونسي الذي التقى ماكرون على خلفية مشاركته في قمة المناخ في باريس كان مهموما بالشأن المحلي المطبوع بالصعوبات الاقتصادية، والذي ازداد استفحالا بتصنيف تونس ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية، ولذا كان يراهن في رحلة باريس على ما يمكن أن يمثله لقاء الإيليزيه من وعود أو دعم أو كل ذلك. كان السبسي ينتظر دعما فرنسيا في الاقتصاد وفي رفع الضيم المتصل بتصنيف تونس المشار إليه، والذي قد يزيد الأوضاع استفحالا في الاستثمار وفي القروض وفي ثقة الجهات الدولية المانحة. في مقابل الرهان التونسي على الدور الفرنسي خاصة في تيسير “الخروج سريعا” من لائحة الاتحاد الأوروبي للجنات الضريبية، فإن فرنسا ترى العلاقة واللقاء تبعا لذلك وفق قواميس الأمن ومحاربة الإرهاب، ولو أن تصريحات ماكرون لم تخلُ من مفردات الاقتصاد، والتي كانت من لزوميات التأكيد على مناطق الإجماع بين البلدين. كان المنتظر الفرنسي المعبر عنه من قبل ماكرون متمحورا حول الدور التونسي في تجنيب فرنسا شظايا الأعمال الإرهابية. ولعل توقيع الاتفاق الإطاري في مجال الأمن بين باريس وتونس نابع من كون “تونس تقع في الخط الأمامي بسبب حدود تمتد على طول 450 كيلومترا مع ليبيا”. صحيح أن الاتفاق الإطاري ينسحب إلى مجالات الاستثمار والسياحة والزراعة والاقتصاد الرقمي، إلا أن الهمّ الفرنسي كان منصبا على ما يمكن أن تقدمه تونس في مجال مكافحة الإرهاب أو في إبقائه حبيس الحدود الشمالية للقارة الأفريقية، وتجنيب فرنسا موجاته الارتدادية. مفيد التذكير هنا بأن التصور التونسي، كما التصور الفرنسي، كلاهما معطوف على قضايا متصلة بالأبواب الرئيسية: الأمن والاقتصاد. فاختلاف النظرتين الفرنسية والتونسية إلى ما ينتظر من اللقاء، كما على الزيارة المزمع تنظيمها في فبراير من العام القادم، كان مفاده أن البحث الفرنسي عن الأمن ومكافحة الإرهاب يحيل أيضا إلى انتظار دور تونسي في مسائل الهجرة غير الشرعية، ويحيل أيضا إلى تحفيز الهمّة التونسية في لعب دور سياسي أكبر في ليبيا، كما يصبّ أيضا في حث تونس على تسريع نسق الحوكمة الرشيدة والشفافية المالية بما يعنيه ذلك من محاصرة أموال “سائبة” يستفيد منها الإرهاب أو التهريب أو كلاهما. السبسي لم يفته أيضا استحضار الملفات المخفية من وراء طرح الملف الاقتصادي، ومنها انتظار دعم فرنسي للسعي التونسي لمراجعة قائمة الدول غير المتعاونة مع الاتحاد الأوروبي في مجال الحوكمة الضريبية واستغرابه من إدراج تونس في قائمة الملاذات الضريبية، ومنها دعوته إلى تحويل جزء من الديون الفرنسية إلى برامج تنموية موجّهة للجهات الداخلية. كان لقاء الإيليزيه بين السبسي وماكرون فرصة لتأكيد المصالح المتبادلة ومناسبة لإرساء مقايضة خفية بين البلدين، فرنسا تريد تعزيز أمنها من الإرهاب ومن تبعات الهجرة السرية، وتونس تريد ثمن ذلك في الاقتصاد والاستثمار وفي دعمها للخروج من عنق زجاجة تردت فيها منذ سنوات. بقية القضايا المتداولة في لقاء باريس، من قبيل التعبير عن موقف مشترك من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس، كانت لتأكيد حد أدنى مشترك تونسي فرنسي في أمهات القضايا، بل يمكن اعتبار طرحها من ضروب التشديد على أن العلاقة تسودها نقاط التقاء كثيرة. وخلاف ذلك عبّر السبسي عن المنتظر التونسي من الشريك الاقتصادي والسياسي الأول، كما أفرج ماكرون عن الهواجس الفرنسية ورهاناتها بلغة فرنسية مفهومة ومتداولة جدا في تونس. كان جدل الأمن والاقتصاد مهيمنا على كل تفاصيل اللقاء، بل كان يمكن تبيّن نوع من الاعتماد المتبادل بين الرئيسين. هواجس الأمن التي أكدها ماكرون في زياراته الأفريقية السابقة أعاد استدعاءها في لقائه بالسبسي، والأخير ربط الرهان الفرنسي بدور علاجي في مظاهر سقم تونسي لا تخفى على ملاحظ. كاتب تونسيعبدالجليل معالي
مشاركة :