تقوم حكومتنا الرشيدة بصرف المليارات من أجل تسيير دفة التعليم وتطويره في السعودية، وهي بذلك تسعى جاهدة لإعداد أجيال يقوم بها عماد هذا المجتمع. والمجتمع بدوره يعي في وقتنا الحالي أهمية التعليم باعتباره خير استثمار يقدمه لأبنائه وإيراداته مضمونة ــــ بإذن الله. ومن خلال هذه المقدمة الوجيزة المليئة بالمليارات المبذولة، فقد نتجت لنا فئة المتكسبين من (بعض) أصحاب المدارس الأهلية، وهي فئة آمل أنها غير منتشرة وأعدادها قليلة. لكن المتأمل العادي يرى أن المدارس الأهلية تنتشر بشكل متسارع من خلال المباني السكنية أو التجارية المستأجرة غير المؤهلة، وإعلانات فتح القبول متزايدة. وجدير بالذكر أن هذه الفئة لا تؤمن برسالة التعليم وهدفها الأساسي الربح السريع والوفير، فنجدها تتعاقد مع عدد بسيط من الأجانب المؤهلين والأكفاء والبقية من المخالفين لنظام الإقامة، ولنا في حملة تصحيح إقامة الأجانب في العام الماضي خير مثال، حيث تغيب كثير من مدرسيها المخالفين عن الحضور. وحيث إنهم مُلزمون بنسب التوطين والإحلال، فإنهم احتالوا بتوظيف أعداد من الإداريين السعوديين الذين لا تراهم فعلا، وقد يكونوا ممن تصرف عليهم الأموال وهم في بيوتهم من الأقارب. إذا من خلال نظرة عابرة وسريعة، نجد أن هذه الفئة لم تقدم للمجتمع أي قيمة في التعليم أو دعم الاقتصاد، بل على العكس فإن "بعضا" منها يتلقى من الدولة إعانة مالية في كل سنة مقابل كل طالب مسجل، والدولة تتحمل (50 في المائة) من رواتب المدرسين السعوديين، وثالثة الأثافي أن بعضا منهم يتلقى قروضا وتسهيلات من الدولة لأجل بناء مشاريعهم التعليمية. لكن السؤال المهم في هذا المقال، من المتسبب في هذه الممارسات، وخروج مثل هذه الفئة؟ هل هو المواطن الذي اختار ترك المدارس العامة "الحكومية"؟ أم ضعف الأنظمة الحالية الذي ساعد على انتشار هذه الممارسات؟ أم هل هي وزارة التربية والتعليم التي تساهلت في الضوابط "غير الواضحة" ولم تستطع فرض رقابتها على هذه المدارس؟ لنأخذ جانبا من السؤال السابق، فإنه من الغريب تصديق أن المواطن يترك المدارس الحكومية رغم أن الدولة تصرف على تكلفة التعليم لكل طالب ما متوسطه 20 ألف ريال، ويحمّل المواطن نفسه مبلغ متوسطه 15 ألف ريال في المدارس الأهلية - هذه المبالغ حسب دراسة معلنة. وحيث إن الإجابة عن السؤال الأول المتعلق بالمدارس العامة ستطول، لذا سأُفرد لها مقالا مستقلا، لكن ملخصه هو أن المواطن لم يجد في التعليم العام ما يجده في التعليم الأهلي رغم ضعف إمكانات ومباني المدارس الأهلية. والإجابة الصريحة على السؤال هو أن المسؤول عن نشوء هذه الفئة من المدارس هو وزارة التربية والتعليم، والمعادلة واضحة للعيان فضعف التعليم العام يؤدي إلى ازدهار التعليم الأهلي، ولمعرفة المستفيد فإن لكم في ذلك الرجوع إلى "بعض" ملاك مدارس هذه الفئة، أو شركائها إذا كانت شركات تعليمية، ليتضح سبب وجود هذه المعادلة، وتدهور التعليم لدينا هو نتاج سنين طويلة وليس وليد اللحظة. ودعما لإجابتي الصريحة، فإن المطلع على قرارات وزارة التربية والتعليم التي تصب في مصلحة المواطن يجد أن ظاهرها نموذجي ورائع (انظر إلى صحيفة "الرياض" العدد 16763 بتاريخ 18/7/1435هـ)، لكن للأسف لم يقترن الفعل بما تم التصريح به، وهذه بعض الاستفسارات، ولعلي أكتب اعتذارا إذا كنت مخطئا وأتمنى أن أكون كذلك. 1 - هل كلفت الوزارة نفسها عناء التأكد من تنفيذ توجيهاتها بشأن عدم رفع الرسوم أو أخذ رسوم للتسجيل، وهل أعطت المواطن أسلوبا أسهل لتقديم الشكوى، غير الحضور للوزارة من أجل تقديم الشكوى بعد تعبئة النموذج المُعد، أو إرسال بريد إلكتروني قابل لإدعاء الضياع؟ وللعلم فالموقع كثير الأعطال ويفتقد كثيرا من المعلومات ولا يليق بالوزارة، ولأجل المقارنة آمل زيارة موقع وزارة التعليم العالي لكي يتضح لكم الفرق. 2- هل كلفت الوزارة نفسها عناء نشر الأسعار المعتمدة للمدارس بشكل واضح في موقعها، أو على الأقل إلزام المدارس بتعليق الأسعار حسب التوجيه الرسمي من الوزارة؟ لكي يحق للمواطن والمقيم المجادلة. 3 - هل كلفت الوزارة نفسها عناء وضع رابط رسمي لاستقبال الشكاوى المقيدة برقم من أجل متابعتها ومعرفة ما تم فيها من خلال البوابة الإلكترونية في موقع الوزارة؟ 4 - هل كلفت الوزارة نفسها عناء نشر وثيقة تثقيف إلكترونية تبين حقوق أولياء الأمور اتجاه المدارس الأهلية، ووضحت المعايير التي يقدم بها شكوى ضد هذه الفئة المخالفة من المدارس؟ 5 - هل كلفت الوزارة نفسها عناء نشر اللوائح والتعاميم المنظمة للمدارس الأهلية في موقعها الإلكتروني؟ حيث لم أجد لائحة تنظيم المدارس الأهلية إلا لدى موقع تعليم محافظة الطائف وهو أفضل بكثير من موقع الوزارة الرسمي. وأغلب المستندات التي وجدتها في موقع الوزارة عبارة عن نماذج تخدم المدارس الأهلية فقط. لعلي أختم بأن لدي أمل كبير في الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، أن يكرس خبرته الواسعة والعريقة ونجاحاته الإدارية السابقة، بالاستمرار في تطوير دفة التعليم، فقد تأخرت الوزارة في مواكبة الكثير من تطورات الدولة في قطاعاتها المختلفة والتي تمس المواطن والمقيم، والتعليم مثل الأمن والصحة، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمع.
مشاركة :