نجح السوشال ميديا بامتياز بدون مرتبة الشرف في صناعة بل في اختراع الاشاعة السريعة الانتشار بشكل لا يُصدق، ففي بضع دقائق بل يضع ثوانٍ تنتشر أشد الاشاعات فتكاً بالعلاقات على كل المستويات. فهل نلوم صناع السوشال ميديا أم نلوم مستخدميها، وهم صناع الاشاعات الذين و لا شك ساعدتهم كثيراً تقنيات السوشال ميديا في فبركة الاشاعة بشكل لا يمكن معه إلاّ الوقوع في براثنها بإعادة نشرها وتعميمها على القريب والبعيد، ليصبح التكذيب والنفي شغلنا الشاغل طوال اليوم بين مكذب ومصدق. فهل هي ضريبة العصر الذي نقلنا من حالٍ الى حال.. أم هي ضريبة اختلال الوعي أو نتيجة الوعي المفقود؟ كما سماه الراحل المفكر الدكتور محمود أمين العالم. الذي لاشك فيه أننا أمام ظاهرة جديرة بالدراسة والبحث والتشخيص والعلاج الذي يشكل مربط الفرس، والتحدي الحقيقي الصعب والشرس الذي نواجهه في هذه اللحظة الفارقة التي أصبحنا فيها جميعاً «مدمني» هذه الاجهزة، وصارت الينا أقرب وأهم من الأصدقاء ومن الأهل والأولاد والعائلة. لن نلعن الاجهزة، ولن نرميها بحجر في محاولةٍ للهروب مما صنعت أيدينا وهي تكتب وتبث، وتنشر الاشاعات وغيرها مما يثير العواصف والزوابع حتى في علاقات الاسرة الواحدة وبين الاشقاء والشقيقات. باختصار الذنب ذنبنا والمسئولية مسئوليتنا، ومن كان منكم بلا جهاز من اجهزة السوشال ميديا فليرمها بحجر.!! لا نريد أن نقع فريسة نقد الآخر لننجو بأنفسنا ونخلي مسئوليتنا عن المساهمة المباشرة في نشر الاشاعة وتعميمها، فنحن نعيد ثم نعيد ارسالها مع علمنا أنها إشاعة، او ربما اشاعة، ولن تُعطي أنفسنا مساحة للتفكير والتحسب والتدقيق والتيقن، المهم هو شعار «السبق» الذي صار كل واحدٍ منا يتباهي ويتفاخر ويزهو أنه صاحب الاخبار. ورحم الله جهينة، فقد صرنا جميعاً «جهينات ونملك الخبر اليقين»، ما أوقعنا في شراك وشباك صناع الاشاعات، بل صار البعض منا من صناعها ومحترفي اختراعها. ولا أعتقد ان ادعاء الحكمة بطريقة الوعظ الفوقي سيكون ناجعاً في علاج الظاهرة، بل ربما فاقم من أخطارها ومن سلبياتها، وضاعف من انتشارها، فنحن نحتاج الى أسلوبٍ آخر تماماً يضع الفرد منا أمام حقيقة أخطار وسلبيات الظاهرة، وأمام مسئوليته التي لا يشعر بها الآن فيستغرق في صنع الاشاعة. ولأن الاشاعة جزء من الحرب الاعلامية من عقودٍ مضت، ولأن صناعتها اليوم باتت في متناول الجميع بلا استثناء، فإنها لن تنتهي في المدى المنظور، ولكنها حتماً ستنتهى، او بالأدق والأصح، ستتراجع بشكل ملحوظ عندما تفقد نجاحها وتبور تجارتها حين يكتشف الناس من صناعها أن أحداً بات لا يصدقهم. حين ذاك فقط سيكفون عن صنع الاشاعات عندما يبور سوقهم وتكسد تجارتهم في صنع الاشاعة. فمثل هذه الظاهرة تتآكل من الداخل من ذاتها ومن نفسها، وربما بدأنا نلاحظ الآن أن مستخدمي السوشال ميديا بدؤوا يشكون ويتشككون فيما يصل اليهم، ويسألون السؤال الكبير «مب اشاعة؟؟». هذا السؤال حول مصداقية ما ينشر وما يعمم، بداية تآكل ظاهرة صناعة الاشاعة في السوشال ميديا، لكننا بكل تأكيد لا نملك تحديد تاريخ النهاية الاخيرة، فلسنا هنا لنقرأ الفنجان، وانما لنطرح اسئلة الظاهرة ونحاور بعضنا بعضاً حولها، وقد بدأت تخضع للشك والريبة في اخبارها، ما ينذر صناعها بأنهم دخلوا نفق الكذب المكشوف او المشكوك فيما ينشرون وما يعممون، وكما قيل من زمن بعيد لا يصح إلاّ الصحيح.. أليس كذلك؟؟
مشاركة :