أحمد محمد (القاهرة) قال رهط من قريش: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك، فقال: «معاذ الله أن أشرك به غيره»، فأنزل الله تعالى: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)» (سورة الكافرون). قال السعدي، قل للكافرين معلنا ومصرحا لا أعبد ما تعبدون، تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله، ظاهرا وباطنا، ولا أنتم عابدون ما أعبد لعدم إخلاصكم في عبادتكم لله، فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة، ثم كرر ذلك ليدل الأول على عدم وجود الفعل، والثاني على أن ذلك قد صار وصفا لازما، ولهذا ميز بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال: لكم دينكم ولي دين. وقال ابن عطية الأندلسي، روي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره، أن جماعة من عتاة قريش ورجالاتها قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: دع ما أنت فيه ونحن نمولك ونزوجك من شئت من كرائمنا، ونملكك علينا، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ولنعبد إلهك حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعا، وقالوا: اعبد إلهنا عاما ونعبد إلهك عاما، فأخبرهم عن أمره الله أن لا يعبد ما يعبدون، وأنهم غير عابدين ما يعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم أبدا ما حييت، ولا أنتم عابدون ما أعبد حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا كالذي كشف الغيب، ومعنى الترديد في السورة وهو بارع الفصاحة وليس بتكرار فقط، بل التأكيد والإبلاغ، وزاد الأمر بيانا وتبريا منهم بقوله: لكم دينكم ولي دين. قال القاسمي، قل يا أيها الكافرون أي المشركون الجاحدون للحق، الذي وضحت حجته واتضحت محجته، لا أعبد ما تعبدون، من الآلهة والأوثان، ولا أنتم عابدون ما أعبد الآن ولا فيما أستقبل، ولا أنتم عابدون فيما تستقبلون أبدا ما أعبد، والخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه أن يويئسهم من الذين طمعوا فيه وحدثوا به أنفسهم، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر، وهلك بعض قبل ذلك كافرا. وقال ابن الأثير، في قوله: «قل» دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله، وخطابه لهم بـ«يا أيها الكافرون» في ناديهم، ومكان بسطة أيديهم مع ما في الوصف من الإرذال بهم دليل على أنه محروس من عند الله تعالى لا يبالي بهم، والكافرون ناس مخصوصون، وهم الذين قالوا له تلك المقالة. ونفى عبادته في المستقبل، لأن لا في الغالب تنفي المستقبل، ولا أنتم عابدون ما أعبد، نفيا للمستقبل على سبيل المقابلة، ولا أنا عابد ما عبدتم، نفيا للحال، فانتظم المعنى أنه صلى الله عليه وسلم، لا يعبد ما يعبدون، لا حالا ولا مستقبلا، وهم كذلك. وقال الشوكاني، لما سأل الكفار رسول الله أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، أمره الله سبحانه أن يقول لهم: لا أعبد ما تعبدون، لا أفعل ما تطلبون مني من عبادة ما تعبدون من الأصنام، ولا أنتم عابدون ما أعبد في المستقبل، ولا أنا عابد ما عبدتم، قط فيما سلف، ولم يعهد مني ذلك، وما وقع في السورة من التأكيد هو قطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله إلى ما سألوه من عبادته آلهتهم.
مشاركة :