الاستثمار في القضية الفلسطينية بقلم: فاروق يوسف

  • 12/15/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يصعب إقناع الفلسطينيين أن هناك كذبا كبيرا في التعامل مع قضيتهم، ذلك لأنهم لا يصدقون أن ما يقال ليس حقيقيا، وأن إسرائيل هي الرابحة من كثرة الأقوال وقلة الأفعال.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/12/15، العدد: 10843، ص(9)] لا شيء مما يُقال في ذلك الشأن بجديد، غير أن قوله كان دائما ينطوي على مجازفة قد لا تحمد عقباها. هناك شيء لافت من حرق الأعصاب وانتهاك المحرمات المسكوت عنها وتبخيس لنضالات شعب عظيم عرف كيف يحافظ على هويته، بالرغم من أن العالم كله وقف ضده وسعى إلى إلغائه. لقد تاجر الكثيرون بالقضية الفلسطينية، سلبا وإيجابا، نفيا وإثباتا. كانت تلك القضية ولا تزال تجارة عالمية خرجت من نطاقها الفلسطيني-العربي لتحل في المزادات العالمية، وإن علا الصوت الإسلامي الذي امتزجت من خلاله البراءة المقيدة بحاملها بالنوايا المبيتة التي تزيح بعناية الأحجار عن قبور أولياء بعينهم. لا ينسى الفلسطينيون أن زعيما عربيا واجه الموت بعد قراءة الشهادتين بهتاف “عاشت فلسطين حرة عربية”، غير أنهم في الوقت نفسه لا يكفون عن الوقوع أسرى السحر الذي يمارسه إخواني مراوغ وماكر هو رجب طيب أردوغان الذي يضع قدما في تل أبيب وأخرى في غزة. من الصعب إقناع الفلسطينيين أن هناك كذبا كبيرا في التعامل مع قضيتهم، ذلك لأنهم لا يصدقون أن ما يقال ليس حقيقيا، وأن إسرائيل هي الرابحة من كثرة الأقوال وقلة الأفعال. لا ينفع أن يكون المرء عمليا وواقعيا في مواجهة عاطفة من ذلك النوع. وهي عاطفة تفضل أن تُخدع على أن تنصت إلى الحقيقة. ربما كان صدام حسين فريدا من نوعه، كونه لم يتاجر بالقضية الفلسطينية. لم تكن لديه مصلحة في القيام بذلك وهو يواجه الموت المؤكد. لعبة الموت وفلسطين هي درس مر به الفلسطينيون ومن ناصرهم في زمن اتسم بالرومانسية الثورية. من المؤكد أن صدام حسين كان آخر أولئك الرومانسيين الذين حملوا على أكتافهم صليب الثورة الفلسطينية. غير أن ذلك لا ينفي أن هناك من العرب مَن وقف مع الفلسطينيين بالمال. علينا أن نتذكر بإجلال أن الكويت مثلا كانت من أوائل الدول التي دعمت منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما فعلته دول خليجية أخرى بكل أريحية وشعور عميق بالواجب. غير أن الزمن الرومانسي مضى برجاله وأفكاره وأساليبه. ياسر عرفات، رجل القضية التاريخي، كان في وجه من وجوهه المتعددة رجل سوق وسياسيا عمليا. فما بالك بزعماء الجماعات والحركات الفلسطينية التي وضع الكثير من زعمائها أنفسهم في خدمة أجندات الأنظمة العربية. ما إن يُذكر أبونضال حتى تفوح رائحة الفساد التي تنبعث من الصفقات التي كانت تُجرى على جثة وطن مغتصب اسمه فلسطين. كان أبونضال واحدا من أخطر المستثمرين في القضية الفلسطينية. وقد يطول الحديث عن الثروات الطائلة التي حصل عليها المتاجرون بمعاناة الشعب الفلسطيني الذي هو مثل كل الشعوب العربية يعشق الشعارات ويذوب طربا بالهتاف ويهوى باعة الكلام ويغض الطرف عن حقيقة ما ينطوي عليه كلامهم من زيف، وفي المقابل فإنه يعتبر المواجهة الجدلية النقدية التي تكشف عن تيه الأمل بمثابة محاولة للإساءة للقضية وانتقاص من حقه في نيل حقوقه التاريخية. معادلة يعرفها المتاجرون الذين صاروا لمناسبة القدس اليوم يتسابقون في ما بينهم إلى المجاهرة بالجمل الجاهزة التي لا تفعل شيئا سوى أنها توسع من حدود وعمق الحفرة التي وقعنا جميعا فيها. فلسطين في العلن هي خطب حماسية وتظاهرات حاشدة واعتصامات وحرق أعلام وصور وإطارات ودبكات هستيرية وأغان خالدة. أما في السر فإنها مزيج من المؤامرات والصفقات والتسويات والاتفاقيات والزيارات الودية والشراكات والعقود والمساعدات. لذلك تبدو إسرائيل وهي الطرف المعني بشكل مباشر بكل ذلك الضجيج غير مكترثة بكل ما يحدث. ليس هناك ما يزعجها. اتسعت حدود المزاد أو ضاقت فإنها ستخرج رابحة. وما بحر الغضب الممتد من طهران إلى أنقرة إلا زبد سرعان ما يختفي ليبقى الشعب الفلسطيني المشرد وحيدا في مكانه. وليس غريبا أن تكون إسرائيل طرفا في ذلك المزاد، فهي الأخرى تصبو إلى أن تكون لها حصة في عقود الاستثمار. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :