كلما ارتقت المجتمعات سلم الحضارة اقتربت من الصومعة التي يقيم فيها جوهر الفن، نحن نتحضر أكثر كلما ألقينا خطوة مضافة في الطريق التي تقود إلى الفن. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/10/31، العدد: 10441، ص(16)] منذ أربعين سنة وأنا أكتب عن الفن، قلت لرافع الناصري، وهو رسام صديقي “إنني أشك في صفة ناقد فني التي تُطلق عليّ”، صدقني رافع يومها وفرحت بثقته. في الحقيقة كل ما أفعله، أني خادم للفن، ليس إلاّ، كلما رأيت عملا فنيا عظيما أشعر أنني أقل من أن أكون حكما عليه، إنه يعلمني أشياء كثيرة عن حياتي. لقد هذب الفن مزاجي، بل إنه صنع مني شخصا آخر، الشخص الذي لم أتخيل أنني يوما ما سأكونه، كل معجزات عاطفتي صنعها الفن، كل النساء الجميلات اللواتي التقيتهن خرجن من بين يديه. أكرمني الفن بالجمال بما لم يفعل ذلك سوى الله، لقد جعلني إنسانا سويا، تسامى بمستوى إنسانيتي، وما كان ذلك ليحدث لولا أنني استجبت لندائه الراكض في برية عصيانه. قضيت حياتي كلها في خدمة الفن مبتهجا بخدمة الجمال، ليس هناك أعظم من أن يضع المرء حياته في خدمة الجمال، أهناك معنى للحياة من غير نساء جميلات؟ ولكن الفن يهب النساء الجميلات صفة الخلود، جمال الفن يهب الطبيعة خيالا مضافا، يقوى الفن على مواجهة الكوارث التي تضرب الإنسان من داخله. كلما ارتقت المجتمعات سلم الحضارة اقتربت من الصومعة التي يقيم فيها جوهر الفن، نحن نتحضر أكثر كلما ألقينا خطوة مضافة في الطريق التي تقود إلى الفن، لذلك لا تقيم الآثار الفنية في الماضي، المستقبل هو بيتها المحتمل الوحيد. ما من شيء يضمن وجود المستقبل مثل الفن، ما أعيشه الآن من نعم الجمال ما هو إلاّ مستقبل ذلك الشاب الذي وضع نفسه في خدمة الفن منذ أربعين سنة. لقد صنعت مصيري عن طريق الفن، ولأن الفن لا يخون، بل هو مثالي في وفائه فقد هداني إلى الطريق المستقيمة التي تقود مباشرة إلى جوهر الحياة، ازدحمت مائدتي البصرية بنعم الحياة، لأن الفن كان راعي تلك المائدة، ما من شيء يمكنه أن يكشف عن جمال الحياة مثل الفن. كاتب من العراق فاروق يوسف :: مقالات أخرى لـ فاروق يوسف في خدمة الفن , 2016/10/31 جمال قطب رسام الروايات العظيمة , 2016/10/30 عقدة الموصل ووحدة العراق, 2016/10/28 الدمشقي البرليني الكوني مروان قصاب باشي يغيب, 2016/10/26 أيها الجمال جددنا , 2016/10/24 أرشيف الكاتب
مشاركة :