الحج في زمن الفتن | أ.د. سامي سعيد حبيب

  • 9/27/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

يعود موسم الحج لهذا العام 1435هـ والأمتان العربية والإسلامية تعيشان حالة قلق وعدم استقرار غير مسبوق في تاريخها الحديث ولا القديم، فهي مستهدفة بشكل واضح وجلي دولياً، وإقليمياً، خاصة من إيران الصفوية، ومن قِبَل المنظمات الإرهابية التي تدّعي نُصرة الإسلام، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصاراً بداعش، الماضية قدماً في قتل كل من يُخالفها الرأي تحت شعارات إسلامية، وفي قتل وتهجير الأقليات العرقية والدينية في بلاد الشام والعراق. ومما يُدهش حقاً في انكشاف المؤامرات للعيان سرعة استيلاء حركة الحوثيين في اليمن على مؤسسات السيادة الوطنية، وعلى العاصمة صنعاء الأبية في سويعات، دون أن يعترض سبيلها الجيش، أو حتى أي تكتل سني مناوئ أو مقاوم، واليمن كما يعلم الجميع بلاد رجال أولي بأسٍ شديد، وشجاعة لا تُجَارَى، فكيف اقتحمت البلاد شرذمة لا تتعدى الآلاف مُدجَّجة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة دون أن يُبدي الجيش أي تمنع أو مقاومة تُذكر؟ والأعجب أن لا يدين «المجتمع الدولي» الاكتساح الحوثي لليمن مُدجّجاً بأنواع الأسلحة، مستولياً أو شبه مستولي على العاصمة وعلى الحكومة اليمنية وجميع مؤسسات السيادة الوطنية باليمن بقوة السلاح. وهو أمر ما كان له أن يكون لولا تقاسم الأدوار بين أعداء الداخل. والحج الذي يعود على المسلمين مرةً كل عام ولا تكتمل أركان الإسلام للمسلم إلا بأدائه مرةً في العمر؛ له مقاصد شرعية كبرى على رأسها توحيد الله تعالى، وتزكية النفس من الآثام والخطايا، وفتح صفحة جديدة في الحياة، (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، ومنها تأكيد الأخوة الإيمانية بين المسلمين، وليس أدل على ذلك مما علمنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟ فقال الناس: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد، ثلاثاً). معظم مناسك الحج تؤكد تأكيداً عملياً على ضرورة الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية، فالمسلمون جميعا يتلبّسون بالحالة الروحية ذاتها، وتتبلور مادياً في لبس الإحرام ذاته من قبل الجميع، ويؤدون العبادات ذاتها، من وقوف بعرفات، وإفاضة لمزدلفة، ووصول لمنى، وطوافٍ للإفاضة... الخ بالطريقة ذاتها، وفي توقيت موحد، وأن الأخوة الإيمانية مطلب أساسي في الحج كما أوضح رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر؛ إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، ثم قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال: ولا أدري قال: أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب). وفي الحج يجتمع المسلمون من كل قارات العالم، على اختلاف أشكالهم وألوانهم وألسنتهم وتراثهم الثقافي والاجتماعي والتاريخي ليعبدوا ربّا واحدا، ويتجهون إلى قبلة واحدة، فالمسلمون أمة واحدة ويؤدون مناسك واحدة، فبالوحدة فقط تكون قوية يُهاب جانبها وتتبوأ الصدارة التي هي أهل لها بين سائر أمم الأرض. ولا يكون ذلك إلا بالعودة الصادقة للمنهج الرباني ما كان عليه رسول الله وأصحابه رضوان الله عليهم، ثم إحياء مشروع التضامن الإسلامي كمشروع نهضة للأمتين العربية والإسلامية. كان ماضي الأمة مجيداً رائعاً بكل المقاييس، واستطاعت أن تقدم الحضارة الإسلامية للعالم في أبهى صورها، وعلى المسلمين اليوم أن يعودوا لمعادلة الصدارة العالمية، ولن يكون ذلك إلا بتبني المنهج الرباني والوسطية المرنة لاستيعاب كل المسلمين من منطلق الرحمة بالناس (وما أرسلناك إلا رحمة للعالميين)، وأن يعيدوا للحياة مشروع التضامن الإسلامي. فمن كان يريد أن يحج حجاً مبروراً يخرج منه كيوم ولدته أمه فليحرص على ما يجمع الأمة لا يُفرِّقها.. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :