عودة خجولة للمسرح الغنائي في مصر

  • 12/18/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ربما لأن المسرح الغنائي يحتاج موازنات ضخمة، فقد انصرفت عنه جهات الإنتاج الرسمية والخاصة في مصر، إلا قلة. ومن هنا تأتي أهمية عرض «ليلة» الذي يستضيفه حالياً مسرح «جامعة مصر»، في مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة. اللافت في العرض، الذي أخرجه هاني عفيفي، وكتبه ووضع موسيقاه وأشعاره إبراهيم موريس، أنه حدّد وجهته منذ البداية، بأن استهدف جمهوراً عادياً يبحث عن البهجة والمرح، ولا تعنيه كثيراً الدراما، أو القضية التي يطرحها العرض، وإن كان، على رغم ذلك، لم ينزلق، كعادة العروض التي تقدمها فرق خاصة، إلى الكوميديا الفجّة التي تثير الضحك بغض النظر عن ارتباطها بالعرض من عدمه. الحكاية هنا بسيطة، ويمكن اعتبارها مجرد إطار للغناء والاستعراض، شاب يحب فتاة ويسعى إلى الارتباط بها، وكعادة مثل هذه القصص لا بد أن تكون هناك مشاكل وعقبات في طريق قصة الحب، وصراع بين الخير والشر، ينتهي، في الغالب، بانتصار الخير. والشاب يواجَه بغريم يحاول انتزاع الفتاة منه، ويلجأ في سبيل ذلك إلى «ساحرة» لتفرق بينهما، لكن بمعاونة أهل الحارة، فضلاً عن فشل «السحر»، يتم إنقاذ قصة الحب، ويرتبط الشاب بفتاته وتعم الأفراح «حارة الخير»؛ كما أطلقوا عليها. ومع هذا هناك خطوط فرعية تتناول حياة الآخرين في الحارة وتحض على قيم العمل والمودة والترابط، تجمّعت في النهاية لتصب في مصلحة الحكاية الأساسية. نحن في حارة شعبية، فيها دكان الجزارة والمخبز والمقهى، وصالون الحلاقة الحريمي، وورشة إصلاح السيارات، إضافة إلى البيوت التي يسكنها الناس. لكنها تظل حارة أراد لها المخرج أن تفارق الحارات الشعبية التي نعرفها، سواء من حيث شياكتها المفرطة، أو من حيث مرونة وانفتاح أهلها وتقبلهم لعلاقات الحب بين شبابها، وسعيهم إلى نصرة المحبين والوقوف إلى جوارهم. استعان المخرج بشاشة عرض كبيرة تعرض عليها مناظر للبحر الذي أراد للحارة، إمعاناً في الشياكة ورغبة في تشكيل صورة مبهجة، فضلاً عن مؤثرات الإضاءة التي استخدمها في مشاهد عدة لمزيد من التشكيل المبهج. لا يعني الأمر أننا أمام عمل لا ينتمي إلى المسرح. هو عمل مسرحي، لكنه لا يحفل كثيراً باشتراطات الدراما، أو بمعنى أدق يستعيض عنها بالموسيقى والغناء والاستعراض. وهو نجح فعلاً في تعويض ضعف الدراما أو خفتها أو تقليديتها، بتقديم وجبة غنائية استعراضية مبهجة. أكثر من خمسة وعشرين ممثلاً شاباً، جميعهم يرقص ويغني ويمارس ألعاب السيرك، ومعظمهم ينتمي إلى الفرق الشبابية التي ظهرت في مصر في السنوات الأخيرة، وينتمي بعضهم إلى فرق دار الأوبرا المصرية. كما أن الغناء والعزف الموسيقي، ليسا على طريقة «البلاي باك»، فثمة فرقة موسيقية مكونة من عشرين عازفاً تجلس في «الحفرة» وتمارس مهماتها. الحكاية خفيفة، لكن الغناء في مشاهد العرض كافة، لم يأت مقحماً، ولم يأت لشرح موقف تمثيلي أو التعليق عليه. هو جاء مكملاً للدراما، ساداً الفجوات التي تركها التمثيل، كما أنه غناء درامي لم يحفل كثيراً بالتقاليد الغنائية التي تلتزم المذهب والكوبليه، بل لم يحفل حتى بأوزان الشعر، فكان في معظمه تعبيرياً وأقرب إلى «الريستاتيف». لم يكن مؤلف الموسيقى مشغولاً بفكرة التطريب أو استعراض مهارات المغنين، بقدر ما كان معنياً بتكامل الحالة، ومن هنا تكاملت العناصر وأفضت كل منها إلى الأخرى. وجاء ذلك بسلاسة ومن دون شعور بالملل أو انفصال فقرات العرض عن بعضها بعضاً، ما يؤكد احترافية المخرج الذي قدم من قبل عروضاً عدة لافتة، لكنه هذه المرة جاء من سكة أخرى هي سكة الغناء والاستعراض. تفهّم المخرج طبيعة القماشة التي يعمل عليها، ونجح في تشكيل نسيجها في شكل يحقق غرضه، وهو تقديم مسرح غنائي استعراضي يخاطب جمهوراً يبحث عن لحظات من البهجة والسعادة ويستمتع بالموسيقى ويتابع قصة بسيطة تدعو في نهايتها إلى حب الخير وفعله، وفضّل، في أول إطلالة له على المسرح الغنائي، ألا يكون ثقيل الوطأة على المشاهد، وفي الوقت نفسه ألا ينزلق إلى التفكه المجاني، فحافظ على تلك الشعرة البسيطة التي تفصل بين الفن وبين التهريج. ربما لو منح كاتب النص مزيداً من العمق لنصه لكنا أمام عرض غنائي استعراضي متكامل، فنحن بصدد مؤدين توافرت لهم الحدود المعقولة للتمثيل والغناء والرقص، ومخرج لديه من الوعي والخبرة ما جعله يمسك بزمام العرض من دون أن يشتت مشاهديه أو يصيبهم بالملل. عرض «ليلة» خطوة إلى المسرح الغنائي، وإن جاءت على استحياء، لكنها مطلوبة ومرحب بها.

مشاركة :