في الوقت الذي أمضى فيه الرئيس التونسي الأمر الرئاسي المتعلّق بدعوة الناخبين إلى انتخاب المجالس البلديّة يومي 29 أبريل للعسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي مؤكداً على أهميّة الاستحقاق الانتخابي البلدي في إرساء الديمقراطية التشاركيّة وتأثيرها المباشر على مستوى ونوعية حياة المواطنين، ومشدّداً على ضرورة العمل على توفير أحسن الظروف لإجراء هذه الانتخابات. دخلت العلاقات بين الشريكين الرئيسين في الحكم - نداء تونس وحركة النهضة - في منعرج خطير ينتظر أن يحدث زلزالاً في المشهد السياسي التونسي لا يمكن تصور مداه؛ وذلك على إثر فوز مرشح مستقل بمقعد برلماني على دائرة المهاجرين بألمانيا الأسبوع الماضي على حساب مرشح حركة نداء تونس في الوقت الذي كان ينتظر فيه فوز هذا الأخير المدعوم من حركة النهضة الحليف في الحكم، ولكن النتيجة أفرزت عكس المنتظر، ومني النداء بهزيمة مذلة أرجعتها قياداته إلى خيانة من الحليف على غرار ما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية عندما صوتت قواعد حركة النهضة لفائدة الرئيس السابق منصف المرزوقي رغم إعلان زعيمها راشد الغنوشي ملازمة الحياد، ولكن جرت الأحداث بعكس ذلك ولولا نساء تونس لما فاز السبسي بتلك الانتخابات، ويبدو أن ما حصل في الانتخابات البرلمانية الجزئية بألمانيا أعاد للأذهان ما سبق، فسارعت قيادات حركة نداء تونس بإعلانها عن اجتماع طارئ لقواعدها معلنة عن عزمها القيام بمراجعات في علاقتها مع بعض الأطراف السياسية، وستفوض لهياكلها اتخاذ القرارات المناسبة في الغرض، كما أكدت حركة نداء تونس في بلاغ لها أنها ستبقى صمام أمان للتوازن المجتمعي والاستقرار والدولة المدنية والحداثة، وستعمل على تعزيز كل المكتسبات والإصلاحات، ودعت مختلف القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية إلى تعزيز صفوفها لخوض الاستحقاق الانتخابي البلدي والانطلاق في مسار الإصلاح الهيكلي الداخلي للحزب. ومما يتضمنه الإصلاح دعوة الغاضبين والمغادرين للحزب بسبب التوافق والتشارك مع حزب النهضة للعودة إلى صفوفه في إشارة قوية باتجاه فك الارتباط مع هذا الشريك الذي لا يؤتمن جانبه حسب ما كان يؤكده المغادرون للحزب والعودة بالنداء إلى الروح التي انطلق بها كمشروع وطني. الكرسي البرلماني الذي فاز به الشاب ياسين العياري المثير للجدل باعتبار توجهاته السياسية والفكرية أحدث الصدمة في المشهد السياسي عامة، لكن الصدمة الكبرى كانت لنداء تونس وانعكاساتها ستكون بحسب المراقبين زلزالاً سيغير المشهد برمّته.
مشاركة :