حلب تلملم جروحها بعد سنة على دمارها

  • 12/21/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عادت زحمة السير إلى شوارع شرق مدينة حلب حيث انتشرت عربات بيع الخضار، لكن مشاهد الدمار من كل حدب وصوب، ظلت شاهداً على معركة غيّرت مسار النزاع في سورية نهاية العام الماضي. ينظر خيرو مسلماني وهو سائق سيارة أجرة سابق، حوله في حي الكلاسة الذي كانت تسيطر عليه الفصائل المعارضة ويقول: «اليوم هناك كثير من الناس، إنهم يعودون». وطيلة أربع سنوات، بقيت حلب مقسمة بين أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المعارضة وأخرى غربية تحت سيطرة القوات النظامية. وشكلت المدينة خلال هذه الفترة مسرحاً لمعارك عنيفة تسببت بمقتل آلاف المدنيين، وبدمار هائل في الأبنية والبنى التحتية في الأحياء الشرقية التي تعرضت لقصف جوي سوري وروسي كثيف. وإثر عملية عسكرية للقوات النظامية أحكمت خلالها حصارها على الأحياء الشرقية، بدأت في 15 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أولى عمليات إجلاء المدنيين والمقاتلين المعارضين من هذا الجزء. واستمرت عملية الإجلاء أسبوعاً كاملاً. وبعد دقائق على خروج آخر باصات المغادرين إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة خارج المدينة، أعلن الجيش السوري في 22 منه، استعادة حلب بالكامل. وسجلت قوات النظام السوري بذلك أبرز انتصاراتها منذ بدء النزاع في آذار (مارس) 2011، فيما شكلت خسارة شرق حلب أكبر انتكاسات الفصائل المعارضة. ومنذ ذلك الحين، حققت القوات النظامية إنجازات ميدانية متلاحقة بدعم من مقاتلين إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وبغطاء جوي روسي، وسيطرت على مناطق واسعة سواء في مواجهة الفصائل المعارضة أو تنظيم «داعش». بعد مضي سنة على انتهاء معركة حلب، تعود الحياة ولو ببطء إلى الأحياء الشرقية، بعد إصلاحات أجريت على شبكات المياه والكهرباء، وإزالة جبال الركام من شوارع عدة فيها وإعادة تعبيدها. وعاد إلى الأحياء الشرقية، وفق تقديرات غير رسمية، حوالى 500 ألف شخص. وكان عدد سكان المدينة 2.5 مليون قبل النزاع، لكنه تراجع إلى حوالى 1.5 مليون نسمة، كان 250 ألفاً منهم محاصرين شرق حلب حتى قبل بدء هجوم القوات النظامية. ونزح أكثر من نصف المحاصرين نتيجة المعارك إلى الأحياء الغربية، وأجلي عشرات آلاف آخرين لاحقاً. غادر خيرو مسلماني (67 سنة)، منزله إثر سيطرة الفصائل المعارضة على شرق حلب في صيف عام 2012، وانتقل إلى مدينة طرطوس الساحلية ليعيش في خيمة مع عائلته. ولم ينتظر مسلماني كثيراً، وبعد أيام على سيطرة الجيش السوري على كامل حلب، عاد في الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير) إلى مدينته ليجد جدران منزله سُويت بالأرض. واستخدم الخرداوات وأجهزة مكسرة لينشئ غرفة صغيرة يشوي فيها اللحم ويسترزق منها. وهو يُعرب اليوم عن سعادته بعودة الحركة من حوله، ويقول: «حين عدنا في بداية 2017، كنا نحلم أن نرى رجلاً في الحارة، اليوم هناك سيارات تدخل وتخرج. الحمد الله هناك أمن وطمأنينة». ولا تزال معالم الدمار ظاهرة على الأحياء الشرقية من شوارع خالية تماماً وأخرى انتشرت على جانبيها المباني المدمرة بالكامل أو تلك التي تضررت جدرانها أو انهارت أسقفها. وفي أحد أزقة شرق حلب، يعمل شبان على إغلاق فجوة في حائط أحد المنازل، وآخرون يضعون الألواح البلاستيكية لتكون بديلاً عن سقف مدمر. وفي حي الصالحين في حلب، يتذكر صلاح مغاير «في زمن المسلحين، شعرنا بالجوع والحصار والظلم». كان صلاح، العامل في إحدى الحمامات الشامية التقليدية، في عداد المواطنين الذين جرى إجلاؤهم من الأحياء الشرقية، وعاد إليها مسرعاً بعد أيام على سيطرة الجيش السوري عليها. ورمّم صلاح منزله ويعمل اليوم حمالاً. ويقول: «الحمام دُمر، سأعود إليه بعد ترميمه». ويقول الخبير في الجغرافية السورية فابريس بالانش لـ «فرانس برس»، إنه «سيكون إحياء الاقتصاد صعباً، خصوصاً بعد النهب الذي تعرضت له المنطقة الصناعية في حلب وفرار رجال الأعمال إلى خارج البلاد». ويوجد هؤلاء حالياً، وفق بالانش، في غازي عنتاب في تركيا «حيث بنوا مصانعهم وأتوا بعمالهم القدامى، ولا يفكرون بالعودة إلى سورية». ولم تسلم المدينة القديمة الأثرية في حلب من المعارك نتيجة موقعها على خط تماس سابق. وحلّ الدمار على بواباتها القديمة وأسواقها وخاناتها. وعلى رغم استعادة السيطرة على كامل المدينة، إلا أن الانقسام بين سكانها لا يزال جلياً. وفي وقت تحولت أبنية الأحياء الشرقية إلى جبال من الركام، حملت أبنية الأحياء الغربية آثار دمار جزئي وأضرار نتيجة القذائف التي اعتادت الفصائل المعارضة إطلاقها. إلى ذلك، لا يرغب بعض السكان الذين تم إجلاؤهم من شرق حلب بالعودة، ويتحدثون عن اعتقالات من الأجهزة الأمنية بحق أشخاص تجرأوا على العودة. ويقول محمد لؤي (22 سنة) الذي يدرس حالياً في جامعة إدلب: «لم أفكر بالعودة إلى حلب لأنني لا أستطيع العيش تحت حكم نظام الأسد القمعي»، مضيفاً: «من المستحيل ألا أعتقل من اليوم الأول». ويتذكر لؤي الذي كان يدرس مادتي الفيزياء واللغة الإنكليزية في حلب، «أثناء خروجنا، كنت أشعر وكأن أحدهم انتزع شيئاً من قلبي، لم نخرج من الصدمة إلا بعد مرور نصف عام».

مشاركة :