تواصلت أمس في مدينة السليمانية وضواحيها لليوم الثاني على التوالي الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط الحكومة الكردية، وسط تصاعد أعمال العنف وحرق مباني مؤسسات الحكومة ومقار الأحزاب، فيما حذرت الحكومة من استغلال التظاهرات في وقت يواجه الإقليم الكردي مخاطر لـ «تفكيك» كيانه السياسي والدستوري. واستمرت التظاهرات في بعض المناطق حتى وقت متقدم من ليل الإثنين- الثلثاء، عقب مهاجمة المتظاهرين مقرات تابعة للقوى الرئيسة الخمس المشاركة في الحكومة ومراكز أمنية ودائرة للمرور وإحراقها، وحاول محتجون إحراق محطة للكهرباء في قضاء جمجمال، ما أدى إلى صدامات مع قوات الشرطة. وأعلنت مديرية كهرباء السليمانية أمس انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة إثر توقف عمل المحطة الكهروغازية في جمجمال تحسباً لأي هجوم من قبل المتظاهرين. وتجمع آلاف المحتجين وسط السليمانية، والمناطق التابعة لها في رانية وكويسنجق وكفري وكلار وحلبجة جنوب السليمانية، وهم يهتفون بـ «إسقاط حكومة الحزبين الديموقراطي والاتحاد الوطني، وإجراء إصلاحات ومقاضاة الفاسدين»، وشهدت بعض الاحتجاجات مواجهات بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب وإطلاق نار أوقعت إصابات، واستمرت أعمال اقتحام وحرق مؤسسات حكومية ومقرات حزبية. ويحمل المحتجون الحزبين مسؤولية الأزمة المالية والفساد القائم عبر «تقاسمهما إيراد النفط»، والتداعيات التي خلفها تنظيم الاستفتاء على الانفصال وخسارة الإقليم للمناطق المتنازع عليها لمصلحة حكومة بغداد، وقد أخفقت أربيل في إقناع نظيرتها الاتحادية للتفاوض في الملفات الخلافية ومنها النفط والموازنة، في محاولة لتجاوز عجزها عن دفع رواتب موظفي الإقليم. وأطلقت قوات مكافحة الشغب أمس، النار في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا في ساحة «باب السراي» وسط المدينة، وأعلنت حركة «الجيل الجديد» بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد المناصِرة للاحتجاجات أن «السلطات الأمنية اعتقلت الناطق باسم الحركة النائب رابون معروف أثناء مشاركته في تظاهرة وسط السليمانية»، ودعت «المتحجين إلى الابتعاد من العنف» محملة الحكومة «مسؤولية تصاعد العنف»، وكان معروف هدد «باستمرار الاحتجاجات لحين إسقاط الحكومة الفاسدة». وحذر الادعاء العام في السليمانية وسائل الإعلام «التي تحرض على العنف من عقوبات وفق قانون الصحافة، وعليها تقع المسؤولية كاملة في حال ارتكاب أي خروقات». ووفقاً لوثيقة صادرة عن مكتب الادعاء، فإن قناة «أن آر تي» التابعة لشركة «ناليا للإعلام» التي كان يملكها عبد الواحد، ارتكبت خروقات خلال تغطية التظاهرات. وتضمنت الوثيقة رفع دعوة قضائية لاعتقال عبد الواحد بتهمة «تحريض المتظاهرين على العنف» وفي قضاء «كويسنجق» التابع لمحافظة أربيل، والواقع في نطاق نفوذ حزب «الاتحاد الوطني»، اقتحم محتجون غاضبون مبنى قائمقامية القضاء ومقرات الأحزاب الرئيسة المشاركة في الحكومة بعد فشل الأجهزة الأمنية في تفريق المتظاهرين. وأكد ناشطون إصابة ثلاثة متظاهرين بجروح، كما تجددت أعمال العنف في ناحية «طقطق» القريبة وتم اقتحام وإحراق مقرات أحزاب بارزاني وطالباني و «الاتحاد الإسلامي» ودائرة الكهرباء، في حين اشتبكت الشرطة مع محتجين لمنعهم من اقتحام مقر حزب طالباني في محافظة حلبجة، وحدثت مواجهات مماثلة في منطقة «رانيا». وفي بلدة كفري التابعة لإدارة منطقة كرميان جنوب السليمانية، اقتحم محتجون مقرات حزب بارزاني و «الجبهة التركمانية» وأضرموا النار فيها، كما اقتحموا مبنى مديرية المرور، في وقت أغلق محتجون معبر باشماخ الحدود في قضاء بنجوين. وشهدت محافظتا دهوك وأربيل وتوابعهما الخاضعة لنطاق نفوذ الحزب «الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني هدوءاً، إلا أن وسائل إعلامية معارضة تحدثت عن إحباط السلطات محاولاتِ نشطاء تنظيم تظاهرات. في المقابل، قالت الحكومة في بيان إنها «تتابع بقلق العنف والممارسات البعيدة عن المدنية التي شهدها عدد من المدن والبلدات، خصوصاً ضمن حدود السليمانية، باستهداف المؤسسات الحكومية والمقرات الحزبية، ونؤكد أن التظاهر السلمي حق مكفول ديموقراطياً في إطار القانون، إلا أن استغلال هذا الحق في ممارسة العنف والتطاول على الممتلكات العامة وتعكير الأمن والاستقرار، في وقت يمر الإقليم بظرف صعب ويواجه مخاطر التخريب وإفشال وتفكيك كيانه السياسي والدستوري لا تصب في صالح أحد، عدا أعداء كردستان»، في إشارة إلى الإجراءات العقابية التي تطبقها بغداد على الإقليم على خلفية خطوته الانفصالية. ودعت «الجهات الحكومية المعنية إلى التعامل وفقاً للقانون مع الأحداث، وحماية ممتلكات المواطنين وأمنهم، وأن يسمح بتحريف الاحتجاجات من أي جهة كانت». وأعلن محافظ السليمانية هفال أبو بكر خلال مؤتمر صحافي دعم «مطالب المتظاهرين المشروعة، لكن في إطار الالتزام بالقانون والحفاظ على السلم بعيداً عن العنف، وعدم استهداف المؤسسات الحكومية والمدنية والمقرات الحزبية، ونؤكد أن الصدام بين الإخوة لن يخدم أي طرف، والدم الكردي أغلى من كل شيء ولن نسمح به». إلى ذلك أعلن مدير «جهاز الحماية والمعلومات» المدعوم من حزب «الاتحاد الوطني» لاهور طالباني عن دعمه «مطالب المتظاهرين وتأسيس حكم رشيد، لأن الأزمات الأخيرة ناجمة عن أخطاء نظام الحكم»، وحذر من «تحريف مسار الاحتجاجات عبر اللجوء إلى العنف، لأن حماية الممتلكات مهمة الجميع، وسنعترض أي محاولة للتخريب». وحذرت حركة «التغيير» من أن «مكتسبات الإقليم ومصير الأجيال المقبلة تتعرض لتهديدات حقيقية من قبل الخصوم والأعداء»، وقالت في بيان إنها «تدعم الاحتجاجات السلمية من دون عنف، والمطالب المشروعة في تغيير نظام الحكم، والتي يجب إيصالها بشكل حضاري إلى سلطات الإقليم والمجتمع الدولي»، ودعت «قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية إلى الحفاظ ودعم إخوانهم المتظاهرين، وهذا من صلب واجبها ومسؤوليتها». وأكد «الاتحاد الإسلامي الكردستاني» دعمه مطالب المحتجين «لكن بعيداً من العنف، وضرورة حل الحكومة وتشكيل أخرى انتقالية، وإجراء تغييرات في آلية إدارة الحكم»، وذكر القيادي في الحزب عثمان كارواني خلال مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماع طارئ مع حركة «التغيير»، «نحن لا نحارب من أجل البقاء في التشكيلة الحكومية التي لم تقدم شيئا للمواطن، وقد فشلت»، معلناً «الترحيب بدعوة الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، شرط تنظيف قوائم الناخبين من الأسماء الوهمية». وأكد «تحالف الديموقراطية والعدالة» بزعامة برهم الصالح المنشق عن حزب طالباني، دعمه «للتظاهرات المدنية المشروعة بعيداً عن العنف ومنع محاولات جهات لسرقة وتحوير المطالب، وندعو الأجهزة الأمنية والبيشمركة لحماية المحتجين». ولفت إلى أن «الأزمة نتيجة لفشل نظام الحكم لا يكترث لمصالح الشعب الذي يعيش في بلد تملأه الموارد والخيرات، وهذه السلطة بكل غرور رفضت مقترح تشكيل حكومة انتقالية، والإقليم يتجه نحو الانهيار». وشدد على أن «الحلول تكمن في تحقيق توافق سياسي لتشكيل حكومة موقتة خارج هيمنة السلطة القائمة، والبدء بحوار مع بغداد بناء على صيغة وطنية هادفة بعيداً من مصلحة السلطة الحالية». وحذر نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي في بيان من «أجندات لا تريد الخير لإقليم كردستان وشعبه»، ودعا إلى «تحرك عاجل لحسم الأزمة بين أربيل وبغداد في ضوء مبادرتنا وجهود رئيس الجمهورية، وعلى الحكومة الاتحادية تحمل مسؤولياتها إزاء التطورات في الإقليم، لأن تفاقم الأوضاع، ستكون لها تداعيات سلبية لن تتوقف عند حدود الإقليم». من جانبه حض الحزب «الإسلامي العراقي» حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي على «حل الأزمة مع حكومة كردستان، لأن استمرارها سيؤدي إلى تفاقم آثارها على السكان، والوقوف بجانب أهلنا في الإقليم واجب وطني ورد للجميل على احتضانهم لملايين النازحين، والابتعاد عن أسلوب الانتقام رسالة إنسانية لازمة»، وزاد: «لا بد من حل كافة المتعلقات الشائكة كسبيل أساسي لتثبيت الاستقرار بعد النصر على إرهاب داعش». وتأتي التطورات في وقت كان رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني يعقد اجتماعات في برلين مع المسؤولين الألمان لإيجاد مخرج لمأزق حكومته، وذكر بيان حكومي أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ثمنت خلال اجتماعها ببارزاني «موقف الإقليم ونيته الصادقة في احترام قرارات المحكمة الاتحادية العراقية واستعداده للتفاوض مع بغداد»، وأعربت عن «أملها في بذل الجهود كافة للبدء بالمفاوضات، وأن ألمانيا تراقب الوضع عن كثب». وقال بارزاني إن حكومته «أبدت التزامها بالدستور، لكن بغداد لم تستجب، ومن الأهمية أن تتعاون الدول الصديقة مع بغداد وأربيل ليدخلا في الحوار»، وشدد على أن حكومته «ستسمر في إصلاحاتها التي هي ضمن الأولويات، وندعو ألمانيا للتعاون في هذا المجال». وذكر الناطق باسم حكومة الإقليم سفين دزيي الذي يرافق الوفد الكردي أن ميركل «ستجري مكالمة هاتفية مع العبادي قريباً، لحثه على البدء بالحوار لحل الأزمة». من جهة أخرى ذكرت مصادر كردية أن «قوات البيشمركة صدت هجوماً لقوات الحشد الشعبي عند سفوح جبال «قرجوخ» قرب قضاء مخمور (60 جنوب أربيل)»، وذلك بعد يوم من تحذير أصدره مجلس أمن الإقليم من تحشدات تجريها القوات الاتحادية عند خطوط التماس مع الإقليم، في ظل مخاوف من خرق الاتفاق الهش المبرم بين الجانبين لوقف إطلاق النار.
مشاركة :