بعد عام على انتهاء معركة حلب عاد نحو 500 ألف شخص إلى مدينتهم المدمرة محاولين لملمة جراحهم.العرب [نُشر في 2017/12/21، العدد: 10849، ص(20)]نبدأ من الصفر حلب (سوريا) - عادت زحمة السير إلى شوارع انتشرت فيها عربات بيع الخضار في حي الكلاسة شرق مدينة حلب، لكن الدمار المتفشي من كل حدب وصوب يبقى شاهدا على معركة غيّرت مسار النزاع في سوريا نهاية العام الماضي. وينظر خيرو مسلماني، وهو سائق سيارة أجرة سابق حوله في الحي الذي كانت تسيطر عليه الفصائل المعارضة، ويقول “اليوم هناك الكثير من الناس (..) إنهم يعودون”. وبعد مضي عام على انتهاء معركة حلب، تعود الحياة وإن ببطء إلى الأحياء الشرقية، بعد إصلاحات أجريت على شبكات المياه والكهرباء وإزالة جبال الركام من شوارع عديدة فيها وإعادة تبليطها. وعاد إلى الأحياء الشرقية، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 500 ألف شخص. وكان عدد سكان المدينة 2.5 مليون قبل النزاع، لكنه تراجع إلى نحو 1.5 مليون نسمة، عاش نحو 250 ألفا منهم حصارا في شرق حلب حتى قبل بدء هجوم قوات النظام. ونزح أكثر من نصف المحاصرين جراء المعارك إلى الأحياء الغربية، وتم إجلاء عشرات الآلاف من الآخرين لاحقا.المدينة القديمة الأثرية في حلب لم تسلم من المعارك جراء موقعها على خط تماس سابق، وحل الدمار على بواباتها القديمة وأسواقها وخاناتها وغادر خيرو مسلماني (67 عاما) منزله إثر سيطرة الفصائل المعارضة على شرق حلب في صيف العام 2012، وانتقل إلى مدينة طرطوس الساحلية ليعيش في خيمة مع عائلته. ولم ينتظر مسلماني كثيرا، وبعد أيام من سيطرة الجيش السوري على كامل حلب، عاد خيرو في الأسبوع الأول من يناير إلى مدينته ليجد جدران منزله وقد سُوّيت بالأرض. واستخدم خيرو الخردوات وأجهزة مكسرة لينشئ غرفة صغيرة يشوي فيها اللحم ويسترزق منها. ويُعرب اليوم عن سعادته بعودة الحركة من حوله، ويقول “حين عدنا في بداية 2017، كنا نحلم بأن نرى رجلا في الحارة (..) اليوم هناك سيارات تدخل وتخرج. الحمد للّه هناك أمن وطمأنينة”. وبرغم ذلك، لا تزال معالم الدمار بادية على الأحياء الشرقية من شوارع خالية تماما وأخرى انتشرت على جانبيها المباني المدمّرة بالكامل أو تلك التي تضررت جدرانها أو انهارت أسقفها. وفي أحد أزقة شرق حلب، يعمل شبان على إغلاق فجوة في حائط أحد المنازل، وآخرون يضعون الألواح البلاستيكية لتكون بديلا عن سقف مدمّر. وفي حي الصالحين بحلب، يتذكر صلاح مغاير “في زمن الحرب، شعرنا بالجوع والحصار والظلم”. وكان صلاح، الذي كان يعمل بأحد الحمامات الشامية التقليدية، في عداد المواطنين الذين جرى إجلاؤهم من الأحياء الشرقية، وعاد إليها مسرعا بعد أيام على سيطرة الجيش السوري عليها. ورمّم صلاح منزله ويعمل اليوم حمّالا. ويقول “الحمام دُمّر، سأعود إليه بعد ترميمه”. ويقول فابريس بالانش، الخبير في الجغرافيا السورية، “سيكون إحياء الاقتصاد صعبا” خصوصا بعد النهب الذي تعرضت له المنطقة الصناعية في حلب وفرار رجال الأعمال إلى خارج البلاد.دمار حلب يفوق الخيال ويتواجد هؤلاء حاليا، وفق بالانش، في غازي عنتاب في تركيا “حيث بنوا مصانعهم وأتوا بعمّالهم القدامى، ولا يفكرون بالعودة إلى سوريا”. ولم تسلم المدينة القديمة الأثرية في حلب من المعارك جراء موقعها على خط تماس سابق. وحل الدمار على بواباتها القديمة وأسواقها وخاناتها. ورغم استعادة السيطرة على كامل المدينة، فإن الانقسام بين سكانها لا يزال جليا. وفي وقت تحولت أبنية الأحياء الشرقية إلى جبال من الركام، حملت أبنية الأحياء الغربية آثار دمار جزئي وأضرار القذائف التي اعتادت الفصائل المعارضة إطلاقها. ولا يرغب سكان تم إجلاؤهم من شرق حلب في العودة أو ليس بمقدورهم ذلك، ويتحدث بعضهم عن اعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية بحق أشخاص تجرّأوا على العودة. ويقول محمد لؤي (22 عاما)، الذي يدرس حاليا في جامعة إدلب، “لم أفكر بالعودة إلى حلب لأني لا أستطيع العيش تحت حكم نظام الأسد القمعي”، مضيفا “من المستحيل ألا يتم اعتقالي منذ اليوم الأول”. ويتذكر لؤي الذي كان يدرس الفيزياء واللغة الإنكليزية في حلب، “أثناء خروجنا، كنت أشعر وكأن أحدهم انتزع شيئا من قلبي (..) لم نخرج من الصدمة إلا بعد مرور نصف عام”. وتركت ازدهار، المرأة العشرينية والأم لطفلين، خلفها جواز سفرها وصور شقيقها الذي قتل جراء العنف، وانتقلت على غرار الآلاف غيرها إلى إدلب. وتقول ازدهار “في الفترة الأخيرة كنا نودع كل حجر في حلب وأملنا بالله كبير جدا بأن يأتي اليوم الذي نعود فيه”. ويتذكر المقاتل المعارض محمد عساف (22 عاما) بدوره “كنا سعداء، نعيش في منازلنا حتى لو كان الأمل بتحرير كامل المدينة 1 بالمئة فقط”. وحول آخر يوم له في حلب، يقول “لا نحب أن نتذكر ذلك اليوم، إنه يوم مأساوي”.
مشاركة :