اتهامات لهيئة الحقيقة والكرامة بالفشل في مهامهالم يحرز مسار العدالة الانتقالية في تونس تقدما يفي بآمال ضحايا الانتهاكات في الفترة الممتدة بين 1955 و2013 ويحقق مصالحة مع الماضي. ويؤكد متابعون أن الهيئة لم تنجح في إرساء وتنظيم مسائل العدالة الانتقالية في ما يخص المحاسبة والمصالحة والبحث والتقصي، مع تزايد الأصوات المنتقدة لدور هذه الهيئة وتقديم نائب الرئيس زهير مخلوف استقالته النهائية من مهامه ضمن الهيئة، والذي فسر في حواره مع “العرب” دوافع هذا القرار.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/12/23، العدد: 10851، ص(4)]الحقيقة في كنف الغموض تونس - استبعد متابعون تحقيق هيئة الحقيقة والكرامة، المؤسسة المكلفة بالإشراف على مسار العدالة الانتقالية في البلاد، تقدما في مهامها مع اقتراب نهاية دورها وفق الآجال القانونية في مايو عام 2018. وبعثت أصوات الانتقادات المتزايدة يوما بعد يوم لأداء الهيئة من سياسيين ومراقبين، وما تعيشه من حالة التصدع داخلها بسبب انشقاقات الأعضاء واتهامات متواصلة لرئيسة الهيئة سهام بن سدرين، الشكوك في مدى التزام الهيئة بحيادها واستقصائها لحقيقة الانتهاكات التي تعرض لها الضحايا من الفترة الممتدة من عام 1955 إلى سنة 2013. وانتقد الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي هيئة الحقيقة والكرامة وقال في حوار مع صحيفة “لو موند” الفرنسية، الاثنين الماضي، إن “الهيئة لم تقم بعمل يُفخر به بل على العكس لم تقم بدورها في تطبيق العدالة الانتقالية”. ويأتي تصاعد الاتهامات والانتقادات مع تقديم نائب رئيس الهيئة زهير مخلوف استقالته النهائية، والذي شرح، في تصريحات لـ”العرب”، أبرز أسباب اعتراضه على رؤية الهيئة الاستراتيجية للعدالة الانتقالية، حيث وصفها بـ”رؤية مخلة وضعتها في مواجهة مع الدولة”. وأوضح قائلا “90 بالمئة من مسار العدالة الانتقالية ستنفذه مؤسسات الدولة، لكن إذا دخلت الهيئة في مواجهة معها يعني حكمنا بالموت على مسار العدالة الانتقالية”. وقال مخلوف إن “رئيسة الهيئة خرقت 32 من مجموع 70 فصلا من فصول قانون العدالة الانتقالية”، مبديا استياءه من تعمد الهيئة تعطيل عمل اللجان وعدم إنشاء لجان متفق عليها وقادرة على أداء أدوارها التي حصلت الهيئة بغية إنشائها على دعم مالي يقدر بـ320 .48 مليار. وهذه اللجان هي: لجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات، لجنة التحكيم والمصالحة، لجنة البحث والتقصي، لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار ولجنة حفظ الذاكرة الوطنية.زهير مخلوف: إذا دخلت الهيئة في مواجهة مع الدولة يعني حكمنا بالموت على مسار العدالة الانتقالية وكشف مخلوف أن لجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات التي تعنى بغربلة الإدارة وإصلاح المؤسسات لم يتم إحداثها بعد، أما لجنة التقصي فستحيل ملفات جاهزة بقضايا يبلغ عددها 1250 قضية بدون بحث حقيقي. ونبه إلى أن لجنة حفظ الذاكرة لا توجد آلية خاصة بها كما أنها تفتقد إلى مختصين ما نجم عنه خور في البحث والتقصي نتيجة انتدابات الهيئة العشوائية. ولفت إلى أن رئيسة الهيئة سعت لأن تكون المسيّر للجنة جبر الضرر ورد الاعتبار ما عرقل إحداث صندوق الكرامة، مشيرا إلى أن وزارة المالية وافقت في أبريل الماضي على صيغته النهائية بعد أن تخلت سهام بن سدرين عن التسيير. وأردف قائلا “تهدف بن سدرين عقب مغادرة هيئة الحقيقة والكرامة إلى إدارة صندوق الكرامة، لذلك لم يقع حل مشاكل الضحايا. وستنتهي العدالة الانتقالية دون تأسيس صندوق للكرامة”، وأضاف “فُقِدَتْ بذلك قيمة هياكل العدالة الانتقالية”. وسبق أن انتقد نواب البرلمان الهيئة خلال جلسة مناقشة الموازنة المقررة لها، واتهمها النائب عماد أولاد جبريل عن كتلة نداء تونس “بإثارة الفتن”، داعيا إلى “عدم المصادقة على ميزانيتها”. واعتبر أن “العاطلين عن العمل أولى بهذه الأموال وأنها تمثل عبءا على الدولة”، فيما رأى النائب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي أن “الهيئة حاولت طمس الحقيقة في ملف أحداث الرش بسليانة (وسط البلاد) وكانت جلسة الاستماع الخاص بها وفق تخطيط محكم”. ونظمت هيئة الحقيقة والكرامة، مؤخرا، جلسة استماع علنية لضحايا «أحداث الرش» وهو المصطلح الذي يطلق على حادثة استخدام قوات الأمن للرصاص الانشطاري لتفريق متظاهرين طالبوا بالتشغيل والتنمية في المحافظة. وأثارت الجلسة جدلا لدى الطيف السياسي والشعبي بعد أن برر وزير الداخلية السابق علي العريض استخدام قوات الأمن للرصاص ضد المتظاهرين بتعرض عدد من مراكز الأمن للاعتداء بالزجاجات الحارقة من قبل المتظاهرين. واتهم اتحاد الشغل وأطراف أخرى الهيئة بعدم الحياد ومحاولة طمس الحقائق و”شيطنة” عدد من القوى الاجتماعية، فيما أكد مخلوف أن من بين أسباب استقالته أيضا “امتهان كرامة الضحايا وذلك من خلال تصريحات رئيستها لوسائل إعلام محلية ووصفها لهم بأنهم يبحثون عن التعويض والأموال، الأمر الذي يعد انحرافا عن الهدف الأساسي الذي أنْشِئتْ من أجله الهيئة”. كما يعارض مخلوف فحوى التقرير النهائي الذي أصدرته الهيئة ورأى أنه يحمل في مضمونه كمّا من التشفي والانتقام وتصفية للحسابات وقال إنه “سيكون مرجعا مزيفا للحقيقة على مستوى محلي ودولي”. وأشار إلى أن الهيئة لم تقدم إلى حد الآن قائمة الضحايا ما سيجعلها ترتجل قائمة مع اقتراب نهاية مهمتها. وبين أن “لجنة التحكيم والمصالحة قامت بتبييض الفساد حتى ترفع الدولة يديها على الأموال المصادرة”. وفسّر مخلوف صمت الحكومة عن خروقات الهيئة بخضوع البلاد للدول المانحة وبمحاولة النأي عن تهم تعطيل مسار العدالة الانتقالية. وقال “الجميع التزم الصمت كما الخوف حتى لا يقال يوما ما إن طرفا ما كان يعطل مسار الهيئة”. وتأسست هيئة الحقيقة بموجب قانون العدالة الانتقالية في يونيو 2014، بهدف كشف الانتهاكات التي وقعت منذ أكثر من خمسة عقود، ولمحاسبة مرتكبيها أمام القضاء وجبر أضرار الضحايا. لكن زهير مخلوف يؤكد أن “هناك إجماعا على أن هيئة الحقيقة فشلت ولم تقدم شيئا للعدالة الانتقالية”. ورأى أنه “عوض أن تساند الانتقال الديمقراطي وطي صفحة الماضي زادت حالة الاحتقان وعدم الثقة بين التونسيين، فهذه الفلسفة تجعلها فاشلة بامتياز”. وأردف قائلا “دوري أن أكون آخر خرطوشة أقدمها للرأي العام لكشف الخروقات في الهيئة”.
مشاركة :