تونس – انتقدت أوساط مختلفة تمديد هيئة الحقيقة والكرامة في تونس فترة عملها دون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب، لكن الهيئة قدمت مبررات أسباب تعطل مهمتها. وقالت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، الثلاثاء، إن “الهيئة مارست صلاحياتها عند اتخاذها قرار التمديد في مدة عملها وفق القانون ولم تقدم طلبا” بهذا الشأن في ردها على البعض من أعضاء البرلمان الذين انتقدوها بشكل لاذع وصل بالبعض منهم إلى الطعن في قرار تمديد مدة عمل الهيئة لدى المحكمة الإدارية. وأقرت بن سدرين بأن قرار التمديد في فترة عمل الهيئة كان سببه الصعوبات التي واجهتها، مشيرة إلى عدم تعاون البعض من مؤسسات الدولة في تسهيل مهام هيئة الحقيقة والكرامة. وأوضحت “المكلف العام بنزاعات الدولة رفض آلية التحكيم والمصالحة، كما رفضت المحكمة العسكرية مد الهيئة بالملفات المتعلقة بقضايا شهداء وجرحى الثورة”. وبموجب قانون العدالة الانتقالية الذي بمقتضاه تم تركيز هيئة الحقيقة والكرامة، تم تحديد مدة عمل الهيئة بأربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضائها. كما منح هذا القانون للهيئة صلاحية تمديد فترة عملها بسنة إضافية لمرة واحدة مع تقديم التبريرات اللازمة من الهيئة. ابتهال عبداللطيف: الضحايا معذورون في نقدهم لهيئة الحقيقة والكرامة وقالت ابتهال عبداللطيف عضو هيئة الحقيقة والكرامة لـ”العرب” إن الهيئة حاولت الالتزام بمدة الأربع سنوات وكانت تتوقع أن تصلها حوالي 30 ألف ملف، لكن هذا العدد تضاعف في يونيو العام 2016، حيث وصلها أكثر من 60 ألف ملف للضحايا، مؤكدة أن الأمر أصبح يتطلب عملا إضافيا. وأفادت عبداللطيف بأن المجهود الإضافي الذي كانت تتطلبه دراسة عدد الملفات التي وصلت إلى ضعف ما كانت تتوقعه الهيئة عند بدء عملها يقابله موارد مالية محدودة، إلى جانب عدد قليل من الباحثين وبقية موظفي الهيئة المكلفين بدراسة هذه الملفات. وأكدت أن العاملين في الهيئة بذلوا أقصى جهودهم في محاولة لإتمام دراسة الملفات التي في عهدتهم من خلال العمل لساعات إضافية وفي فترات مسائية وحتى في أيام العطل. وأثار قرار هيئة الحقيقة والكرامة انتقاد أوساط مختلفة، إذ أكد البعض أن هذا الأمر ليس مفاجئا بل كان متوقعا باعتبار أن عدد الملفات التي لم تتمكن الهيئة من دراستها مرتفع مقارنة بما تم إنجازه. وطعن نواب كتلة آفاق تونس بالبرلمان التونسي، بداية الشهر الحالي، أمام المحكمة الإدارية في قرار تمديد هيئة الحقيقة والكرامة لمدة عملها، مطالبين بإيقاف تنفيذ هذا القرار، إذ اعتبروا أنه غير قانوني بما أن الهيئة لم تناقش قرار التمديد في البرلمان، وقالوا إنه “تضييق على الدور الرقابي لمجلس نواب الشعب”. وانتقدت كتلة آفاق تونس بالبرلمان عدم سد الفراغ في تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة والتي تعمل منقوصة العدد بعد قرارات استقالة وإعفاء للبعض من أعضائها. وكان مجلس هيئة الحقيقة والكرامة قد اتخذ في اجتماعه، في 27 فبراير الماضي، قرارا بـ”التمديد بسنة إضافية في عهدتها (الهيئة) التي يخولها لها الفصل الـ18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية على أن تعمل الهيئة على إنهاء أعمالها يوم 31 ديسمبر 2018 وفق جدول مواعيد محددة في الغرض”. وذكر بيان صادر عن رئاسة الهيئة أن القرار جاء “بعد معاينة مجلس الهيئة لاستحالة استكمال مهامه في موفى مايو 2018، وفق ما تم تفصيله في التقرير السنوي لعام 2016”. وأرجعت الهيئة أسباب تمديد فترة عملها إلى “امتناع جزء كبير من مؤسسات الدولة عن تطبيق أحكام الدستور وقانون العدالة الانتقالية في ما يتعلق بالنفاذ إلى الأرشيف العمومي والخاص”. وأوضحت الهيئة أن من بين الملفات التي لم تتحصل عليها “أرشيف البوليس السياسي والقضايا المنشورة أمام الهيئات القضائية”، معتبرة أنه “عطل استكمال أعمال التقصي لكشف الحقيقة”. كما انتقدت هيئة الحقيقة والكرامة عدم إصدار الأمر الحكومي المتعلق بصندوق الكرامة الذي سيمول التعويضات المادية لضحايا الاستبداد. تلقت أوساط تونسية مختلفة قرار تمديد مدة عمل هيئة الحقيقة والكرامة بانتقاد كبير، لكن رئيسة الهيئة سهام بن سدرين تؤكد أن عدد الملفات وعدم تعاون البعض من مؤسسات الدولة معها من بين الأسباب التي عطلت إتمام مهمتها في الآجال المحددة سابقا. وقالت عبداللطيف إن الهيئة استكملت الجزء المتعلق بفرز الملفات، بالإضافة إلى تنظيم جلسات استماع سرية وعلنية ووصلت إلى مرحلة إحالة الملفات إلى الدوائر القضائية المختصة. وأكدت أن إحالة الملفات إلى الدوائر الخاصة يجب أن تكون متضمنة لمؤيدات بما يضمن حصول الضحايا على حقوقهم. وشددت على أن الهيئة اعتمدت معايير خاصة في إحالة ملفات الضحايا على دوائر القضاء المختصة في العدالة الانتقالية. وقالت عبداللطيف إن الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية بدورها شهدت تعطلا في مسار إرسائها، إذ أنها لم تتركز إلا منذ أشهر قليلة، إلى جانب فترة التدريب في مجال العدالة الانتقالية للمسيرين لهذه الدوائر القضائية المختصة. وأحالت هيئة الحقيقة والكرامة في 2 مارس الجاري أول ملف إلى الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بقابس. وبحسب ما ورد في بيان صادر عن الهيئة “يتعلق الملف بانتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان وبجرائم ضد الإنسانية عبر حالة اختفاء قسري، ويتضمن 14 مشتبها فيهم بارتكاب هذه الانتهاكات”. وتهدف إحالة الهيئة للملف إلى دوائر العدالة الانتقالية إلى إتمام مبدأ رئيسي في مسار العدالة الانتقالية وهو مبدأ المساءلة والمحاسبة. وأحدثت تونس 13 دائرة قضائية متخصصة في العدالة الانتقالية في كل من تونس وسوسة وصفاقس وقابس والقصرين وسيدي بوزيد وبنزرت والكاف وقفصة والقيروان ومدنين والمنستير ونابل. ويقول البعض من المتابعين للشأن التونسي إن هيئة الحقيقة والكرامة لم تلتزم بترسيخ مبدأ جبر الضرر والتعويض المادي للضحايا، وهو ما أثار استياءهم، ودفعهم إلى تنفيذ احتجاجات في مناسبات متكررة. وأبدت عبداللطيف تفهما لاستياء الأشخاص المشمولين بالعدالة الانتقالية في تونس، إذ قالت “العديد من الضحايا معذورون في نقدهم للهيئة لأنه بالنسبة لهم مسار العدالة الانتقالية قد طال كثيرا”. وأفادت بأن هؤلاء الغاضبين من بطء مسار العدالة الانتقالية يحاسبون هيئة الحقيقة والكرامة على الفترة الممتدة منذ العام 2011، في حين أن الهيئة تركزت في العام 2014 وفعليا بدأت عملها في 2015. وأشارت إلى أن عهدة هيئة الحقيقة والكرامة طويلة جدا، إذ أنها تتولى دراسة ملفات الضحايا منذ 1955 إلى العام 2015. وصدر بآخر عدد من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وهو الجريدة الرسمية للبلاد، أمر حكومي مؤرخ في 28 فيفري 2018 ويتعلق بصندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد. وتم رصد اعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 ملايين دينار. وتتولى لجنة حكومية مهمة التصرف في صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد.
مشاركة :