ما خفايا موجة منتقدي مشاركة المسلمين للمسيحيين احتفالاتهم بقلم: حكيم مرزوقي

  • 12/28/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انتقاد المسلمين على مشاركتهم للمسيحيين أعيادهم، تقف وراءه فتاوى تكفيرية صريحة لكنها تتسلل تحت ذرائع أخرى وبطرق تدعي النصيحة والحرص على التقاليد مما يزيد من تعميق الهوة بين مكونات المجتمع ويسهم في التباعد بدل التقارب، ويصور احتفاليات الآخر طقوسا غرائبية ذات نوايا تستعدي المسلم وتستهدف هويته وكيانه فيبادر المستلبون وأصحاب الأدمغة المغسولة إلى معاداتها ومحاربتها ظنا منهم أنها تشكل خطرا على عقيدتهم. وفي هذا الصدد يبرر أحد أئمة التكفير على صفحته العنكبوتية، تكفيره للمسلم الذي يشارك المسيحي أعياده بقوله “قد يُعجب المسلمون في غمرة هذه الاحتفالات بالشعائر المسيحية، ومن ثم يتَّبعونهم فيها، لا سيما مع هزيمتهم النفسية، ونظرتهم إلى الكافرين بإعجاب شديد يسلب إرادتهم، ويفسد قلوبهم ويضعف الدين فيها”، ويذهب هذا التكفيري بعيدا في تحاليله وقراءاته للأمر، فيضيف أن “الكثير من المثقفين المغتربين يصفون الكفرة بالرقي والتقدم والحضارة حتى في عاداتهم وأعمالهم المعتادة، ويكون ذلك عن طريق إظهار تلك الأعياد في البلاد الإسلامية من طوائف وأقليات أخرى غير مسلمة فيتأثر بها جهلة المسلمين في تلك البلاد”. هذا الخطاب الموغل في الجهل والظلامية ينطوي على نفس تحريضي مبطن يدعو فيه المسلمين إلى التخلص من الأقليات الأخرى لأنها تضمر العداء لعقيدتهم وتنصب الفخاخ لضعاف النفوس في رأيه بغية جعلهم يعتنقون دينا غير دينهم، لذلك وجبت مقاطعة هذه الاحتفاليات، لا بل معاداتها ومن ثم محاربتها. المتطرفون والإرهابيون والمسوقون لخطاب الكراهية دائما يبحثون عن الذرائع لممارسة دمويتهم، وكثيرا ما يجدونها ضمن منطق تلفيقي وبدعوى حماية الإسلام والمسلمين. وبالمقابل فإن حتى المتشددين من المسيحيين في البلاد العربية لم يبادروا إلى مثل هذا التفكير بدعوى الحفاظ على وجودهم وحماية هويتهم من الذوبان في الأكثرية المسلمة، فترى المسيحيين على امتداد العالم العربي يهنئون جيرانهم ومواطنيهم المسلمين بأعيادهم ويشاركونهم الاحتفالات دون توجس أو خوف أو تفكير مسبق.رغبة الانتقام لدى الشباب المحروم من المظاهر الاحتفالية التي يرون فيها نوعا من البذخ تستيقظ في ظل الأزمات الاقتصادية لا يمكن بطبيعة الحال تعميم هذه الظاهرة المتمثلة في حملات انتقاد المسلمين المشاركين للمسيحيين احتفالاتهم بالميلاد، فهناك بالمقابل مظاهر إيجابية كثيرة عكست روحا من الوئام بين أتباع الديانتين في العالم العربي هذا العام، خصوصا بعد أحداث ووقائع قرّبت المسلمين من المسيحيين أكثر. ومن هذه الأحداث القرار الأميركي المشؤوم بنقل السفارة إلى القدس وما أعقبه من غضب نتج عنه تضامن مسيحي إسلامي واضح رافقه إلغاء المظاهر الاحتفالية والاكتفاء بالتراتيل والصلوات. الأمر الآخر الذي يعدّ عاملا من عوامل التقارب بين الديانتين هو بداية اندثار إرهابيي داعش بعد المحنة التي تعرض لها المسيحيون في بلدان مثل العراق وسوريا ومصر، وما سببته من تضامن من طرف المسلمين الذين كابدوا بدورهم وذاقوا الأمرّين من الإرهاب والإرهابيين. لكن انتشار ظاهرة السخرية من المسلمين الذين يشاركون المسيحيين أعيادهم هذا العام، في بعض الأوساط الشبابية المسلمة على مواقع التواصل الاجتماعي، من شأنه أن ينذر وينبه إلى أن الجماعات التكفيرية لا تترك مناسبة دينية إلا وتستثمرها لصالح مشروعها الإرهابي، خصوصا بعد هزائمها الميدانية. وقد ينزلق الكثير من الأبرياء وأصحاب النوايا الحسنة إلى هذا المطب بدوافع أخرى غير دينية، لكنهم سرعان ما يجدون أنفسهم مجندين للفكر التكفيري من حيث لا يدرون ولا يتقصدون، إذ أن الكثير منهم تجذبهم الأساليب التي تزعم النقد والسخرية الاجتماعية. كما أن الأخطر من ذلك هو استيقاظ رغبة الانتقام لدى الشباب المهمش والمحروم من المظاهر الاحتفالية التي يرون فيها نوعا من البذخ والإسراف في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة. التكفيريون يعادون كل حالات الاحتفال والغبطة والفرح نتيجة عقد نفسية صنعتها عوامل عديدة وزرعها غاسلو الأدمغة من منظري الإسلام السياسي، فهم يريدون عالما عبوسا قمطريرا، خاليا من أي تواصل إنساني، لذلك فإن حملتهم ضد المسلمين الذين يشاركون المسيحيين أفراحهم، لا تقتصر على هذه الديانة بل تمتد إلى المظاهر الاحتفالية التي تغيب فيها الانتماءات الضيقة بدليل معاداتهم حتى للأولمبياد الرياضي واعتباره طقسا وثنيا يخالف الشريعة الإسلامية. كلمة “خارجة عن تقاليدنا” سلّة كبيرة يضع فيها المتعصبون كل من يناصبونه العداء، وذريعة يتمسك بها التكفيريون لجلب المزيد إلى صفوفهم، وفي هذه الكلمة الهلامية الملتبسة، يكمن ويسكن شيطان الإرهاب. وعبارة “هذا الأمر خارج عن تقاليدنا” يمكن أن يتلقفها بسطاء الناس بطريقة تلقينية صماء دون أن يفكروا في محتواها ومرماها، ناسين أن الإنسان ما كان له أن يتقدم عبر العصور أو يعتنق أيّ ديانة لو قال يوما لنفسه: هذه ليست من تقاليدنا.

مشاركة :