أصوات نسائية شابة تثري المشهد الشعري بالسعوديةلا يكاد المشهد الثقافي السعودي يقدم شيئا مختلفا عمّا قدّمه خلال الأعوام التي سبقت عام 2017، ويمكن للمتابع أن يتلمّس أهم الأحداث الثقافية من خلال أبرز الفعاليات والأنشطة الثقافية مثل معارض الكتاب في الرياض وفي جدة، وتصريحات ولي العهد السعودي بشأن الموقف الرسمي من تيار الصحوة وأثر ذلك على مستقبل المشروع الثقافي السعودي، وعلاقته بالرؤية 2030 التي تأتي كواجهة لقرار سياسي له متعلقاته الثقافية والتنموية المختلفة، وأيضا من خلال أنشطة الأندية الأدبية، والجمعيات الثقافية في أنحاء المملكة. صحيفة “العرب” توقفت مع مجموعة من الأدباء والمثقفين والنقاد السعوديين في محاولة لرصد المشهد الثقافي السعودي عبر رؤيتهم ومتابعاتهم ووعيهم الخاص خلال عام 2017.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/12/28، العدد: 10854، ص(16)]إياد الحكمي يبقي إمارة الشعر في السعودية الرياض – بحسب ما توصل إليه الباحث السعودي خالد اليوسف في رصده لحركة التأليف والنشر الأدبي في السعودية، فإن عدد الروايات لهذا العام بلغت 110 روايات، بينما بلغ عدد المجموعات الشعرية 64 مجموعة، وبلغت المجموعات القصصية 56 مجموعة، وهنالك 67 كتابا مصنفا تحت عنوان “نصوص”، بينما حظي المسرح بأربعة كتب فقط. علما بأن العام الماضي 2016، كان عدد الإصدارات أكثر بقليل من هذا العام الذي شارف على الانتهاء، ويتوقّع اليوسف بأن الأيام القادمة ستكشف عن المزيد من الكتب التي لم يصل إليها، خصوصا بعد معرض الكتاب الدولي في الرياض، الذي يجلب الكثير من الإصدارات التي لا يكتب عنها في مصادر الأخبار. الشعر وانعطافة الجوائز يذهب الناقد السعودي عبدالله السفر إلى أنه لو ألقينا نظرة شمولية على الفعل الثقافي السعودي كل على حدة، فإن المتابع للمشهد الشعري في 2017 لا بدّ له أن يتوقّف عند الإنجازات المصحوبة بالجوائز التي تؤشّر على مسيرةٍ الشعراء، فقد نال علي الدميني جائزة الكتاب “فرع الشعر” المقدّمة من وزارة الثقافة والإعلام على ديوانه “خرز الوقت”، أما جائزة شاعر شباب عكاظ “مهرجان عكاظ السنوي” فقد ذهبت لطارق الصميلي الذي تألق ثانية في الدورة السابعة من مسابقة أمير الشعراء للعام 2017، والتي توشّح بردتها في المركز الأول الشاعر السعودي أيضا إياد الحكمي. فيما حاز جائزة الثبيتي والتي ينظّمها سنويا نادي الطائف الأدبي في مجال الشعر السعودي: محمد إبراهيم يعقوب على ديوانه “ليس يعنيني كثيرا”، واللافت أن الشعراء الثلاثة (يعقوب، الحكمي، الصميلي) من منطقة واحدة هي جازان (جنوب السعودية) الفوّارة بالشعر وبالمواهب الفذّة النابهة. وفي الدورة الثانية من مهرجان “بيت الشعر” بجمعية الثقافة والفنون بالدمام (ديسمبر 2016)، أُضيفت إلى أوراقها الإبداعية “جائزة الكتاب الأول” التي حضرت معها أسماء جديدة متميّزة توسّع من المشهد الشعري في السعودية وتغنيه بتجربة شبابيّة مختلفة، فبرز أحمد الصحيح بكتابه “فتحتُ الباب فانهال عليّ العالم” (المركز الأول)، وأبرار سعيد بكتابها “ليس ليدي أن تتكلّم” (المركز الثاني) وإبراهيم حسن بكتابه “العائد من وجهِه” (المركز الثالث).احتفاء بالقصة القصيرة وفي الدورة الثالثة، “دورة الشاعر علي الدميني” التي انطلقت في ديسمبر الحالي، ذهبت الجائزة الأولى للشاعرة السعودية الشابة بثينة اليتيم عن مجموعتها “سأعيد للقدر مكيدته”. ويقول عبدالله السفر راصدا ومتابعا للمشهد الشعري السعودي بعنايته الدقيقة “شخصيا، لا أستطيع التهوّر بجرأة القول على الإحاطة بجديد الساحة الشعرية الذي أصبح له -هذا الجديدـ ثلاث مناسبات هي: معرض جدة الدولي للكتاب، معرض الرياض الدولي للكتاب، مهرجان الأيام الثقافية بدولة البحرين.. إذ في هذا الأخير وعبر دار ‘مسعى للنشر والتوزيع” يجد القارئ النص الجديد سعوديا وخليجيا، ومن الأعمال الشعرية اللافتة التي صدرت، وكانت لي فرصة الحصول عليها والاطلاع على مساحة من التجربة لبعضها من الخصوصية والفرادة ما تقوم به وحدها نحو تجربة ‘صعود متأخر’ لعبدالرحمن الشهري الذي يتّكئ بتقصّد على مفهوم النثرية تماما وينتج نصوصا صادمة لمتلقي الشعر حتى للجديد منه، حيث عماده ‘الشفاهية’ واليومية ينزلها في مبنى سردي ولقطات حارة من الحياة في سيولتها المباشرة أو المجلوبة نضِرة من الذاكرة”. ويضيف السفر “إلى جوار تجربة الشهري هناك علي العمري وجديده الصادر قبل بضعة أشهر ‘ذكرى شخص تظنّه أنت’ بطاقته التأمّلية والحسّ العدمي الذي طالما تميّز به الشاعر على مرّ تجربته خلال العقدين الماضيين، وعلى صلة بتجربة العمري في المناخ العدمي وحسب وليس في طريقة الكتابة وأسلوبها، هناك كتاب ‘وجه فارغ’ للشاعر محمد آل حمادي”. ومن الإصدارات التي قرأها عبدالله السفر في هذا العام وفيها جمالية جاذبة كتاب “محاولة حائط للتعبير عن قلقه” للشاعر سلمان الجربوع، والتي يراها الناقد السعودي تجربة عن المدينة التي ارتبط ميلاد قصيدة النثر بها، كما يكتب النقاد، في شريط ممتدّ وملوّن تقع فيه الشخصيات والأشياء بين حديّن متنقلين ومتبادلين من الأنسنة والتشيؤ. وهناك أيضا، بحسب السفر دائما، تجربة “العلاج بالكتابة.. الحياة باعتبارها مصحّا اجتماعيّا” للكاتبة والفنانة منال العويبيل ذات المناخ الفيسبوكي ومذاق المدونات، حيث الحرف يسري براحته وببوحِه متدفّقا ومتقطّعا، وحيث الكتابة بالنسبة لمنال يتعانق فيها إيقاع الفعل وإيقاع الصورة، مشهد متحرّك وبلوحات تُقرأ في شكل جزئي أو مندغمة في حركة جوّابة من أول الكتاب حتى نهايته. ويضيف السفر “من الأعمال الأخيرة، كتاب ‘عودة رأسي إلى مكانه الطبيعي’ وهو تجربة حب في أفق القصيدة الجديدة التي يكتبها محمد خضر بأسلوبيّة تأخذ من السينما -بشكل أساسي- ومن الموسيقى ومن الفضاء الفني بإجمال ومعه سحر المكان الذي يجمع اثنين باستدعاء الحدث وتحيينه في مشهدية عذبة وسرديّة بسيطة، هي من مفاتيح الكتابة لدى الشاعر، وغيرها من الكتب المهمة كجديد الشاعر علي عاشور والمعنون بـ’سيرة الشبيه’ التي أتت معرضا لغربة موحشة متوحّشة”. ويتابع في الشأن نفسه “من خلال إحدى الجوائز جرت انعطافة ليست هيّنة نحو قصيدة النثر، فقد تُوّج ديوان ‘عائد من أبيه’ للشاعر صالح زمانان بجائزة السنوسي، فالمعتاد أن جوائز الشعر تذهب دائما لقصيدة الوزن، ومما يُذكَر هنا أن جائزة الثبيتي للعام 2016 في مجال التجربة الشعرية حازها أحمد الملا، وهو من شعراء قصيدة النثر البارزين في المملكة في سابقة أولى.. ولم تكن الأخيرة بحمد الله بإضافة ديوان ‘زمانان’. وبالتداعي مع الجوائز، قرأتُ قبل فترة قصيرة ديوانا جديدا للشاعر محمد الماجد بعنوان ‘كأنه هو’، أعتبره من أفضل الإصدارات الشعرية لهذا العام وهو نص اختباري تجريبي ذو أبعاد دراميّة مترحّل في المكان؛ الجزيرة العربية، وملتحم بتاريخه وذاكرته على نحو فريد، وأحسب أنّ ‘كأنه هو’ من الجدارة بمكان أن تتشرّف به جوائز الوطن”.مشهد شعري متنوع السرد السعودي لم يشهد عام 2017 استمرارا للماراثون الروائي الذي شهدته الساحة الثقافية في الأعوام السابقة من خلال الفوز بأهم الجوائز العربية والعالمية الشهيرة، فقد بقي المشهد ساكنا دون إشارات تذكر لصالح أعمال روائية تفوّقت وتميزت عبر اشتغال ملفت للنقاد، ويستثنى من ذلك بالطبع فوز رواية “موت صغير” للروائي محمد حسن علوان التي حظيت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها العاشرة. وقد شهدت الساحة الثقافية في الرياض وجدة والشرقية حضورا على مستوى الفعاليات الثقافية المختصة بالسرد، فقد قدمت الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية مجموعة من الفعاليات التي دشّنت من خلالها لمبادرات فردية وجماعية تصب جميعها في المشهد السردي ومد شرايينه بالجديد عبر الأنشطة والفعاليات النقدية المرتبطة بالمنتج السعودي والعربي والعالمي. وضمن هذا السياق أعلن “بيت السرد” في جمعية الثقافة والفنون بالدمام خلال عام 2017 عن تأسيس “مهرجان بيت السرد للقصة القصيرة”، والمقرر إقامة دورته الأولى في يوم القصة العالمي 14 فبراير 2018، احتفاء بالقصة القصيرة وبنشأتها وتطورها، وبروادها عالميا وعربيا ومحليا. وضمن فعاليات المهرجان أعلنت اللجنة المنظمة عن طرح مسابقتين خصصتا للسعوديين، هما مسابقة “جائزة بيت السرد للكتاب الأول” في القصة القصيرة، تتولى قراءة وتحكيم المخطوطات المتنافسة على الجائزة لجنة تحكيم من النقاد والأدباء، وتمنح الجائزة للكتب الثلاثة الأوائل، ويكرم الفائزون في حفل افتتاح المهرجان. وقد أنهى “بيت السرد” مؤخرا الترتيبات لإطلاق ورشته الثانية التي تحمل اسم “ورشة بيت السرد الإنكليزية” لتخصصها في تنظيم قراءات جماعية في السرد الإنكليزي والعالمي باللغة الإنكليزية. وأوضحت المُنَسِقَّة للورشة الكاتبة سكينة الزيد لـ”العرب” أنه بتأسيس هذه الورشة يسعى “بيت السرد” إلى توفير فضاء إضافي ودي وحميمي يحفّز على تعميق وتوسعة مساحة الانفتاح على الإبداع العالمي ممثلا بالسرد. ليالي الرواية السعودية من جهة أخرى نظمت إدارة النشاط الثقافي بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض ملتقى سرديا بعنوان “ليالي الرواية السعودية”، وهو فعالية ثقافية متخصصة بالرواية وكتابتها، متضمنة لندوات ومحاضرات وقراءات نقدية، بالإضافة إلى أنها أتاحت للمهتمين تقديم الشهادات والتجارب في الجلسات المفتوحة للحوار والنقاش للتدارس المفتوح مع الجمهور. والجدير بالذكر أن هذه الفعالية تتطلع للجيل الجديد الراغب في معرفة عالم الرواية، وكيفية كتابتها بالصورة الفنية والأدبية واللغوية المتقنة، أو من المبتدئين والهواة والراغبين في حضور أيامها.
مشاركة :