الشعر شجاعة أن تقول كلمتك بصوت مسموع بقلم: زكي الصدير

  • 5/9/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعرة السعودية أبرار سعيد تحاول من خلال اللغة أن تكاشف طواحين الهواء لتقول كلمتها للعالم. “العرب” توقفت معها في هذا الحوار حول معالم تجربتها الشعرية.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/05/09، العدد: 10627، ص(15)]الشاعرة في دوامة الأسئلة (لوحة للفنان بيكاسو) صدرت مؤخراً عن دار مسعى بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام مجموعة “ليس ليدي أن تتكلّم” للشاعرة السعودية أبرار سعيد، مختطفة من خلالها المركز الثاني في جائزة بيت الشعر للإصدار الأول في دورته الثانية التي حملت اسم فوزية أبوخالد في ديسمبر الماضي، هذه الجائزة التي اعتبرت ضيفتنا أنها كانت بأكملها مفاجأة؛ إذ -حتى مع استمرارها في الكتابة- لم يخطر لها يوماً أنها ستنشر ما تكتب. تقول أبرار سعيد عن حصولها على الجائزة “ما كتبته كان بعيداً كل البعد، ولم يكن مطمحي أصلاً. ومع ذلك حدث. ولا شك أنه كسر حاجزاً بيني وبين نفسي، خصوصاً أني على مدى وقت غير قصير كتبت تحت اسم مستعار. لكن مجموعتي الآن تحت اسمي. ربما هي شجاعة، شجاعة أن تقول كلمتك بصوت مسموع، وأن تصبح تلك الكلمة متداولة لأن يقرأها الآخرون ويبدون ردوداً وانتقادات. وأشكر هنا بيت الشعر والقائمين فيه على هذه الفرصة التي لن تنسى، لأنها البداية التي ستدفعني إلى الاستمرار، أو هذا ما أرجوه”. الهدم والبناء لا تكتفي سعيد -بحسب بيان لجنة التحكيم- بالقصيدة كي نقول إنّها صوتٌ شعري في مقتبل العمر فحسب، إنما هي تكتب عنفوانَها أيضا.وظيفة الشعر الحقيقية هي إنتاج الأسئلة، وبذلك هو يعري تلك الأنساق المتوارية خلف ما هو مقدس وممنوع ما بين الرغبةِ في الانهمار من جهةٍ، والعنفوان من جهة أخرى، تأتي قصيدة أبرار سعيد بوصفِها صرخةً مسرودةً بعنف المخيّلة، حين تخرج من فوّهة القلب إلى بياض الورقة. وكأن ما لا يخرج أيضا هو اندفاعةٌ مؤجّلة، هو الألماسُ الذي يلمعُ في الجوف، ولا ينتظر سوى حرارةِ الأحاسيس كي يفور. لذلك دائما تكون قصيدة أبرار سعيد على الحافّة، لا لتقع بل لترى نفسها في عمق الهاوية، في عمق السقوط، وهذه لحظةٌ شعريّة ٌبامتياز تجيد أبرار لَعِبَها. هذه اللحظة، وتلك الإجادة، بينهما انهمار والتماع. لغة أبرار الشعرية في مجموعة “ليس ليدي أن تتكلّم” تخبرنا بأن ثمة تجارب كثيرة تم هدمها والبناء عليها قبل أن تصل إلى حالتها من النضج والوعي بنفسها وبذاكرتها الخاصة. وعن ذلك تتحدث شاعرتنا قائلة “يتشكل النص في فضاء الذاكرة في لحظة عميقة، لحظة استحضار صورة من صور الحياة وما يستدعي التأمل. لهذا فالنصوص هي إعادة خلق كل ما هو حي إلى حد التماهي وكأنه يخص الذات وحدها، وكأنه جزء لا ينفصل عنها، وكما يقارب انفعال التوائم المتضادة التي تغص بها يومياتنا، الموت والحياة، الحب والكراهية، والحزن والسعادة”. إنتاج الأسئلة وترى ضيفتنا أن قصيدة النثر هي مخيال تفكيكي، يفكك الأحداث، ويعيد تركيبها وفق رؤية فلسفية خاصة، الأمر الذي يتيح لها أن تكون هي، لهذا فهي تكتب بهذه اللغة وبهذا النمط الشعري. تقول في هذا السياق “أستثمر المخيال الشعري في قول ما أريد قوله للعالم. وهنا أيضاً تبرز وظيفة الشعر الأساسية ‘الأسئلة‘. نعم، وظيفة الشعر إنتاج الأسئلة حتى تلك المسكوت عنها.الشعر هو بوصلة البحث عما هو مفقود”. تحضر القصيدة في مجموعة “ليس ليدي أن تتكلم” مثل ومضة وجودية مملوءة بالهواجس، ومشغولة بالسؤال الكوني الوجودي العميق، إنها تطرق أبواب السؤال بكل قوتها الشعرية تاركةً الأحاجي معلّقة للمتلقي. لهذا لا تتردد سعيد في إعطاء صورة مزاجية عالية للمرأة الحالمة بحريتها، لكنها محاصرة بالواقع، إذ حتى الكلمة لا يمكن أن تكون حرة في التعبير عن المرأة بصورة حقيقية. لهذا تتحوّل نصوصها أحياناً إلى فهم دقيق يحاول أن ينطق باسم قبيلة النساء المكسورات المهمشات.النصوص هي إعادة خلق كل ما هو حي نسمعها تقول في نص “ميلانا” “أريد أن أخبرك بأسى بالغ، أننا الدمى الحزينة، مجرد أشياء تستهلك حتى انتهاء صلاحيتها، أجساد تستقبل الخناجر والطعنات، وتحتفي بالنزف العامر، نحن هذه الخرق التي تمسح بها كل القذارات، أوعية يفرغ فيها المنيّ والأبناء، أشباح تثير الخوف والاستغفار، ولسنا نفهم الذنب الأبدي لوجودنا”. وتقول أبرار في نص آخر” “أغار من كل النساء اللاتي يهرولن مثل جياد في البرية”، لتترك قارئها بعد ذلك في حالة سؤال عن مدى قدرة الشعر الحقيقية على أن يكون خلاصاً في مجتمع منغلق على نفسه ومحافظ وذكوري مثل السعودية، وهل يستطيع الشعر أو الشاعرة العربية تقديم شيء بأي مستوى من أجل الخلاص من الأنساق القائمة؟ تجيب الشاعرة “كما قلت سلفاً، وظيفة الشعر هي إنتاج الأسئلة، وبالتالي فهو يعري تلك الأنساق المتوارية خلف ما هو مقدس وممنوع، أما بالنسبة إلى الحلول فهو غير معني بها. هو فقط يقترح من خلال جمالياته صورة للحياة، صورة فيها مساحات متاحة للتنفس، لا أن نغيّب أو أن نوأد”. وتضيف أبرار سعيد في الشأن ذاته “لا أدري إن كان الشعر يقدم حلولاً. المرأة هنا محاصرة من الدين والمجتمع، محاصرة بالأعراف والتقاليد والخوف قبل كل شيء، الخوف من أن تخطو أي خطوة خارج ما تحنط عليه هذا المجتمع. لكنها تتلاشى. في القصيدة لا قيود، فالقصيدة هي المأوى، المكان الذي أكون فيه كما أنا، كما أحب وكما أشاء لنكتب على الأقل، ربما في ذلك نجاة. لنحمِ هذه المخيلة و لنطلقها ولتذهب أينما تذهب”.

مشاركة :