مئوية الثورة الروسية فبراير 1917.. والانقلاب الشيوعي

  • 12/31/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعقوب يوسف الإبراهيم| هناك سياقات متعددة لكتابة التاريخ تظهر التطور المعرفي والارتقاء الترشيدي تجدها محكمة مرصوصة بأحداث قطعية من قرائن ودعائم. وعلى النقيض من ذلك ترى مسارات مخالفة أصابها الجمود وغلب عليها التقليد والتكرار، لم تستفد من فيض ما يطرح من إسهامات، بل ظلت تموج بأشكال لا تعطي مضموناً صحيحاً. لكنها جعلت منها حقيقية واقعة لا تحتاج إلى مزيد، وكأنها بذلك تدعو إلى إغلاق باب الاجتهاد إذا صح القول. وقد تجلى ذلك واضحاً وضمن هذا المسلم في ما يكتب حالياً عن مئوية الثورة الروسية عام 1917. ولا أقول هنا مردداً ثورة أكتوبر لأن ذلك العام قد حمل ثورتين وصفنا الثانية مجازاً بالثورة لكنها في الحقيقة كانت انقلاباً، كما سوف نفصِّله في سياقنا للموضوع. أما الأولى فهي الثورة الحقيقية التي كانت نتيجتها تنازل القيصر عن العرش ونهاية النظام الملكي وحكم سلالة رومانوف التي سادت 310 أعوام فكانت في فبراير عام 1917. كما أن الشهرين المارين (فبراير وأكتوبر) هما حسب التقويم الجولياني القديم الذي كان قائماً وقت ذاك في روسيا فقط، يقابلهما حسب التقويم الجريجوري المستخدم حاليا شهرا (مارس ونوفمبر)، وهو فخ يقع فيه من كتب عن الموضوع بالعربية. فتفسير النص مرهون بتاريخه، ولا يمكن الفصل في هذا المنحى إطلاقاً من دون التقيد بالمراحل الزمنية للترتيب التقويمي، وشرحها ما أمكن حتى ينضبط التسلسل التاريخي الدقيق للأحداث ضمن نسق موحد، وهو أمر لا يمكن تجاهله أو إغفاله.في عام 1861 شرّع القيصر الكسندر الثاني إرادة ملكية بإنهاء القناة (عبودية الفلاحين) ولكنه أبقى الفلاحين مربوطين في الأراضي من خلال التزامات العمل. وعلى الرغم من هذا الانفتاح البسيط، فقد أطلق عليه لقب {القيصر المحرر}. بينما خلال تلك الفترة ألغت الولايات المتحدة العبودية كلياً. وبعد فترة قليلة اخترع الكيماوي السويدي نوبل متفجرات الديناميت، فاستخدمها الثوريون الروس في قتل القيصر عام 1881، بعد خمس محاولات فاشلة لم تنجح لاغتياله وبعدها بسنتين مات كارل ماركس (أبو الشيوعية) في لندن، وفي سنة 1883 تكونت أول مجموعة ماركسية روسية (أوزفابوسف هاديني ترودا) تلك الفلسفة التي قضت على حكم قياصرة روسيا من سلالة الرومانوف التي حكمت ثلاثمئة عام.بقت الإمبراطورية الروسية بمعظمها منصهرة بالنظام الزراعي، مما يجعل روسيا وبدون عجب أن تكون أول الحركات الثورية ذات التأثير قد ارتبطت بتأثير فلاحي. فالحركات الشعبية (نارودنيكس) كما أطلق عليها لاحقاً هي تنظيمات طلابية متطرفة مدفوعة بأشكال وإرهاصات مختلفة من قراءات وتصورات، كالرومانسية والتحرر والقومية السلافية خاصة، أو كأفكار جماعية أو فردية لاكتشاف وبعث المخبأ والمحفوظ في ذاكرة الشعب الروسي.لينين يثأر لأخيهوكانت أجواء عام 1874 تربة خصبة مشجعة لإشعال فتائل الثورة بالاتجاه إلى الجماهير سواء في القرى المعزولة أو ورشات العمل والمدارس والمكتبات في إذكاء المناداة برفع مستويات المعيشة واستذكارها، ولكن تلك المحاولات قد جوبهت بعنف وشدة وعقرت في مهدها حينما ألقي القبض على مئات الناشطين، ولم يكن ذلك نتيجة عدم اهتمام الفلاحين الكادحين بالسياسة مثلما يعتقد، بل وحتى بين صفوف المتعلمين من طبقات سكنة آلمدن الذين كان لهم نشاط واضح وجلي في الأرياف من خلال دعاياتهم وشعاراتهم الوطنية وأناشيدهم الثورية التي كانت شواهد حاضرة لدى السلطات المحلية، مما أدى إلى فشل محاولات النهضويين، وجعلهم يتجهون من مخاطبة السكان إلى التحرش بالسلطة، فمثلاً في عام 1876 كانت الجماعات المنادية بتحرير الأرض وبث الحرية قد تحولت من حركات سلمية (زيمليا بيريديل) إلى أخرى ثورية إرهابية (تارودنايا فوليا) أو (إرادة الشعب)، تلك الفصائل كان هدفها تهديم أركان الدولة باغتيال كبار موظفيها، وعلى رأسهم القيصر كما أشرنا إليه في البدء، فبعد اغتيال الكسندر الثاني بنجاح في 1 مارس 1881. نشرت اللجنة المركزية للحركة بيانا مفتوحا تطالب فيه بإجراء إصلاحات مستحقة، ولكنها إزاء ذلك فإنها (الحركة) لم تلاق تأييدا شعبيا كبيرا على الرغم من الكم الكبير  للاغتيالات التي قامت بها منظمة الاشتراكيين الثوريين، والتي بلغت حصيلة عملياتها أكثر من عشرة آلاف موظف ومتعاون خلال تلك الفترة. ومن الجدير بالذكر في هذا المجال أن إسكندر الأخ الأكبر للينين كان أحد أعضاء تلك المنظمة الذي أخفق في بلوغ هدفه في اغتيال القيصر الكسندر الثالث، قدم إلى المحكمة وأدين فأعدم في 4 مايو 1887 كانت من الأسباب التي أثرت في مسيرة لينين، ودفعته للانتقام ثأرا لأخيه، عن طريق الانتساب لتلك الأنشطة الثورية وهو في سن مبكرة من مرحلة الدراسة الثانوية وقبل أن يصبح طالبا جامعياً ثم ناشطاً ألقي عليه القبض عام 1897 وعمره 27 سنة عندما سجن ونفي إلى سيبيريا كما سنرى.الجغرافيا أبعدت روسياابتدأت تلك المرحلة بين الأقطار الأوروبية الصناعية، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا بالانقضاض على قارة أفريقيا الغنية بمواردها لاحتلالها بكاملها بعد عقود قليلة من الثورة الصناعية ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر.ولأن الجغرافيا قد أبعدت روسيا من اللحاق بالسعي الأوروبي نحو أفريقيا في تلك الفترة. فقد وجدت روسيا على العكس أخذ حصتها من أراضي بلاد الصين الواسعة وأسواقها الواعدة في منشوريا وتخوم سواحل المحيط الهادي الشرقية فانتقلت أنظار السياسة الروسية إبان حكم الأسكندر الثالث 1881 – 1896 نحو شرق آسيا بدلا من تركيزها على دعم الحركة السلافية في دول البلقان التي وجدها غير عابئة أو ممتنه لما تبذله روسيا القيصرية من مساندة مكلفة، واعتبر القيصر أن أي تضحية في المستقبل لأي جندي روسي في ذلك ستكون محدودة في تطلعاتها في البحر الأسود على المضايق التركية والقسطنطينية (اسطنبول).حلف مع الصينعلى إثر ذلك وقعت روسيا اتفاقية حلف دفاعي مع الصين مما مكنها التخطيط للعمل في تمديد خط سكة حديدية عبر سيبيريا إلى منشوريا وكوريا وتأسيس البنك الروسي – الصيني 1891 فاستمر العمل حثيثاً حتى وفاة القيصر الاسكندر الثالث 1894. وحينما تولى وريثه القيصر نيقولا الثاني حافظ على الالتزام بهذا الاتجاه الذي اختطه أبوه، وعزز هذا الرأي بعض القادة العسكريين بما سوف تحققه روسيا من المجد مستقبلا في آسيا.فجاء القرار أن تتحمل روسيا تكلفة باهظة لربط شرق آسيا بأوروبا عبر سكة حديد ابتداء من فيلاديفوستك (حاكمة الشرق) على المحيط الهادي بموسكو بطول 4960 ميلا (8.000 كلم).والذي بدا العمل فيه عام 1891 بتكلفة مليار روبل كان من أكبر المشاريع الاستثمارية في تاريخ روسيا آنذاك، وكان في الحقيقة انعطاف سياسي توسعي نحو آسيا، والعمل على تحويل روسيا إلى امبراطورية اوراسية ضخمة تسيطر على كتلة ضخمة سياسياً واقتصادياً.وهذا ما ادركه وعمل على تحقيقه منذ عام 2000، وبين ابعاده بمقال صدر عام 2011 قال فيه: بناء الاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الأوراسي الموحد، ووضع أسس لآفاق بناء اتحاد اقتصادي أوراسي لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيكون هدفاً طموحاً يؤدي إلى مستوى أعلى من التكامل نحو الاتحاد الأوراسي الكامل».لا شك أن بوتين قارئ جيد للتاريخ، وجد ما بدأه القيصر القدوة الكسندر الثالث قبل أكثر من قرن وثلث يحتوي على عناصر النجاح ويصبح تحقيقه اتحادا سوفيتيا ثانيا من دون كلفة مادية وسياسية تخضع لروسيا الاتحادية كما يراها الآن.ولم يضع أمامه تصورات ما قد يحدث نتيجة التوغل في هذا المسعى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مستمعاً إلى نصيحة مستشاريه القائلة بعدم الاهتمام عما يقال عن مجابهة اليابان لهذا المشروع، وقللوا من قيمتها وقابليتها قياسا بروسيا. وقد شجعه ما تداول عن وصية جده نيقولا الأول وهو على فراش الموت ويتمناه بتغيير الوضع وارجاع الأمور إلى نصابها مثل ما كانت ابان حقبة الجد الأكبر القيصر الاسكندر الأول الذي استعرض الجيش الروسي المنتصر في باريس عام 1814 حينما أصبحت قوة ومقدرة روسيا يحسب حسابها ويحفظ موقعها في ميزان القوى الأوروبية.التوسع شرقاكان ابتداء ذلك التحرك التوسعي السلمي الروسي شرقا قبيل العقد الأخير من القرن التاسع عشر إبان حكم الاسكندر الثالث كما أشرنا. وكانت البدايات عبارة عن اتفاقيات تمديد خطوط السكك الحديدية فتم اقتطاف من خلالها امتيازات مجزية في كل من منشوريا وكوريا، مما اثار حفيظة اليابان وهي في نهضتها الحديثة وبداية احتكاكها التنافسي مع روسيا نتيجة استفزازات روسيا الأخيرة لها. وما أن حل القرن العشرين وابتدأ تشغيل الجزء الأول لمشروع سكة الحديد عبر سيبيريا الذي شارف على الانتهاء في بداية عام 1904 حينها هاجمت اليابان ميناء بورت ارثر في منشوريا الذي غدا قاعدة بحرية روسية أرادت من خلالها أن تعلن للشرق بأنها قوة عالمية متطورة مع العلم بأنها بالنسبة لأوروبا مازالت دولة متأخرة.المقارعة مع اليابان ونتائجهالا بد لنا أن نتوقف قليلا لنتمكن من المقارنة بين سياسة التعتيم وبين خطط التنوير، بين ما يحدث في روسيا وما حدث في اليابان فيما اطلق عليه فترة ميجي اليابان Meiji Japan لم تنتبه روسيا أو تهتم بأن هناك دولة تشكل خطورة قصوى احست إلى ما يعانيه الشرق من ضعف وتأخر في لحاق ركوب التقدم والحضارة فابتدأت بتغيير مسارها من كيان متفكك متناحر يحكم بنظام قبلي بدائي (ساموراي) حينما تولى الحكم امبراطور متفتح نقل بلاده من الإقطاع إلى نظام دستوري متطور كان ذلك عام 1867 حينما دانت البلاد إلى موستو هيتو المولود عام 1852 والذي وحد اليابان خلال سنة من تبوئه العرش بعد حرب أهلية طويلة فقضى على اسرة شوفون التي حكمت اليابان حكماً دكتاتورياً على امتداد 700 سنة وكان ذكيا لماحاً ساعده حكمه الطويل الذي امتد قرابه نصف القرن في تحقيق قفزات طويلة وتقدم كبير في مجالي السياسة والاقتصاد متجهاً إلى أوروبا، مستعيناً بإمكاناتها لتحديث قوة اليابان العسكرية، فوجد ببريطانيا غايته لإنشاء اسطول حديث على نمطها، ونظم الجيش على الأسس الجرمانية تحت اشراف ألمانيا، فتولى ذلك شخصياً وفتح بلاده للتجارة العالمية التي كانت مغلقة أمام الأجانب، ووضع دستوراً على الأسس والأفكار الأوروبية التي كان متأثراً بها، حتى كانت الغلبة له في كل المجال أمام الصين ومنشوريا وكوريا، فأصبحت اليابان القوة العسكرية الأولى في الشرق الأقصى.طلب السلمكل ذلك كان يحدث امام روسيا التي كانت تعتقد لما تملكه من امبراطورية شاسعة وطاقة سكانية رهيبة، لا تقارن ببلاد قوامها مجموعة من الجزر مساحتها 377 ألف كيلو متر مربع وعدد ضئيل من السكان.ابتدأت اليابان بإرسال تحذيرات إلى روسيا عن التوسع العسكري واستغلال ضعف كلٍ من الصين التي كبلتها باتفاقيات مالية ومشاريع متفرعة من خط حديد عبر سيبيريا وكذلك منشوريا وكوريا، ولكن روسيا لم تعبأ إلى التحرك الدبلوماسي الياباني مبتهجة بالاحتفال بنهاية بناء خط الحديد بين موسكو وفيلادي فوستك مما حدا بالأسطول الياباني أن يأخذ قراراً احادياً بالهجوم على بورت أرثر في منشوريا (سميت على اسم احد القادة الانكليز عام 1860) في 9 فبراير 1904، ولم يكن كلٌ من الأسطول والجيش الروسيين على استعداد فكانت هزيمة نكراء وبداية لحرب امتدت حتى استسلام قائد القوات الروسية في بورت أرثر من دون استشارة ضباطه في معركة موكودين يناير 1905 وتحطيم الأسطول الروسي بكامله تقريباً الذي ابحر من قواعده في بحر البلطيق على بعد نصف الكرة الأرضية حينما أغرقت ثلاثون قطعة حربية من مجموعة أربع وثلاثين، وهزمت الأربع الباقية مما جعل روسيا أن تبلع كبرياءها وتطلب السلم بواسطة الولايات المتحدة حيث وقعت معاهدة بورتسموث في ولاية نيوهامشير في 5 سبتمبر 1905.جذور لينين(10 أبريل 1870 – 21 يناير 1924)هو ليس اسما حقيقيا بل حركي مستعار اشتهر به منذ عام يناير 1901 ولم يكن ذلك الاسم المستعار الوحيد بل عرف خلال حياته بأسماء كثيرة يوقع بها مقالاته مثل اليان، تولن، كابروف، بو، ستاريك، بينيوشيف، كما استخدم اسماء مختلفة في جوازات سفر مزورة منها: وليم فيري، جاكوب رشتر، د. جوردن جوردانوف، وليم ماير، وكان استعمال هذا العدد الكبير من الأسماء للتشويش على أجهزة المخابرات والسلطات الأمنية.اما اسمه الحقيقي فهو فلاديمير اليتش اليانوكولوفيج اليانوف من الاستراخان (التتار) في وسط آسيا. أمه ماريا الكساندرا بلانك من أب يهودي اسمه سرل (إسرائيل) بلهجة اليديش موسافيج (موسى) بلانك، من مدينة أوديسا على البحر الأسود من أسرة برجوازية ولد في 10 ابريل 1870 في بلدة سميرسك على نهر الفولغا تبعد 900 كلم جنوب شرق موسكو. ولد برأس كبير وجسم ضئيل جعله لا يستطيع الجلوس، قالت عنه القابلة: «إن هذا الطفل إما أن يصبح غاية في الذكاء أو منتهى الغباء»، ولكن مربية الأسرة تعلق «كل أبناء إليانوف ذهب ولكن فولودينكا (اسم الدلع للينين) فهو من الماس، شب قصير القامة، آسيوي تتاري الملامح أطلق عليه زملاؤه في المدرسة لقب المغولي، كان يعاني من قصر النظر، وشعر رأس يميل إلى الحمرة ابتدأ بالتساقط مبكراً على الرغم من استعماله بعض الأدوية الشعبية التي كانت تعدها شقيقته. توفي أبوه وهو صغيرعام 1886 الذي يعمل مفتشاً إداريا بوزارة التعليم، فاصبح شديد التعلق بأخيه الأكبر الكسندر الذي أعدم في 4 مايو 1887 حينما كان طالباً جامعياً عمره 21 سنة لاشتراكه بمحاولة اغتيال القيصر اسكندر الثالث وانتمائه إلى «منظمة ارادة الشعب» (نارودنافوليا) وكان قد سبق أن اجبرت الأم ابنها بأن يكتب إلى القيصر التماساً بتخفيض الحكم وعرض عليه وبعد أن قرأه علق عليه: «هذه المرة حفظنا الرب، ولكن إلى متى؟» ثم رماه جانباً. كان عمر لينين آنذاك قد بلغ السابعة عشرة وفي يوم الإعدام أخوه كان يؤدي امتحانا مهماً ولم يخبره أحد عما جرى لأخيه.نشأ محباً للقراءة مجدا في دراسته متفوقاً فيها، نال درجات عالية وميدالية ذهبية في دراسته، وعلى الرغم من ذلك لم تشفع مؤهلاته في أن يقبل في الدراسات العليا في جامعتي موسكو أو بطرسبرغ لتورط أخيه الأكبر بمؤامرة اغتيال القيصر، فساعده فيودور كيرنسكي مدير مدرسته الثانوية (الذي كان أبو غريمه لاحقاً الكسندر كيرنسكي) لكي يقبل في جامعة قازان وقد وفق في ذلك، ولكن لم تمض بضعة أشهر حتى انضم لينين إلى مجموعة طلابية شاركت في إضراب وتظاهرة تضامناً مع طلبة جامعة سان بيترسبرغ فاعتقل مع مجموعته وكان تحت أعين الرقباء، كونه شقيق طالب ثوري أعدم لاشتراكه بمؤامرة اغتيال القيصر. وبعد بضعة أشهر في السجن طرد من الجامعة وأبعد إلى أحد الأرياف لمدة استمرت ثلاث سنوات ولم يسمح له بتكملة دراسته العليا كطالب منتظم، ولكنه استطاع أن يتقدم للامتحان في جامعة سان بيترسبرغ كطالب خارجي External Student فأخذ جميع مواد شهادة البكالوريوس في القانون التي تشمل 4 سنوات واختصرها في سنة واحدة، وحاز على الدرجة الأعلى في 14 موضوعا وكانت تلك الجامعة الأرقى في روسيا، عمل بعد تخرجه محاميا في محكمة سامار (حوض نهر الفولغا) ثم انتقل إلى العاصمة سان بيترسبرغ عام 1893 وزاول المهنة بدون ا هتمام زائد، بل قضى وقته في الكتابة عن الحركات الثورية. ابتدأ اهتمام إدارة المخابرات العامة (أوكرانا) بمتابعة نشاطه في يناير 1894 من خلال تتبعها نقاشاتهالتخفي والهروبواستمرت تلك الحالة مرافقة له لا تفارقه حتى بعد رجوعه الى روسيا، فحينما علم لينين – الذي كان آنذاك رئيس السوفيت – في 29 يونيو 1917 بان اتباعه من البلاشفة سوف يهاجمون من قبل الحكومة المؤقتة بقيادة كيرنسكي وزير الدفاع نتيجة اكتشافهم تحويلات مالية كبيرة من خلال بنوك في كوبنهاغن واستوكهولم حلق لحيته وشواربه (علامته الفارقة) وهرب إلى فنلندا وبقي فيها ثلاثة اشهر واختفت قوة البلاشفة من الساحة السياسية، ولولا تروسكي الذي لم يكن منظما لحركة البلاشفة بل من قادة المنشفيك لكنه ابتدأ بتقبل المبادئ البلشفية. حينما كتب لينين إلى تروسكي مشجعاً في 4 يوليو يقول: «هذا هو الوقت الذي سوف يقتلوننا فيه وهو الاحسن ملاءمة لهم». وبعد ظهر اليوم التالي تم الهجوم على مقر البلاشفة وقبض على ألفين من الاعضاء من ضمنهم 11 من قادة اللجنة المركزية ومنهم تروسكي بتهمة الخيانة العظمى والإعداد لأعمال التخريب واعداد الى الثورة حسب المواد 51 – 100 – 108  من قانون العقوبات الروسي، واحرقت مطابع البرافدا التي اقتنيت في ابريل بمبالغ طائلة من اموال الثورة كان لينين يتمتع بالسلامة. او كما يقول العرب عن الجبن «أبشر بطول سلامة يا مربع». عاصمة لكل الفصول تواردت أسماء مختلفة لمدينة واحدة مما قد يؤدي إلى بعض الإرباك وللفائدة نجملها بما يلي: سانت بيترزبوغ أو بطرسبورغ عاصمة روسيا الثانية بعد موسكو. بناها القصير بطرس (بيتر) الأكبر عام 1703 واطلق عليها اسم شفيعة القديس بطرس واستخدم اسم بورج كمدينة من الألمانية أو بورغ كما تلفظ بالعربية BIRG. وكانت تظهر أحياناً بدون سنت أو سانت (قديس) استمر استعمال الأسم منذ بناءها حتى سبتمبر 1914 تاريخ إعلان الحرب العالمية الأولى وبما أن الاسم يحمل كلمة بورغ الألمانية غير الاسم إلى بيتروغراد، وغراد هنا هي المدينة بالروسية بعد موت لينين وبعد انتهاء الحقبة الشيوعية والاتحاد السوفيتي عام 1991 أعيد لها اسمها الأصلي كانت العاصمة بيترزسبورغ مسقط رأس كل القياصرة، الذين حكموا روسيا منذ بطرس الأكبر، فلا غرابة أن تكون مكان ولادة بوتين أيضاً. فرجعت حليمة إلى عادتها القديمة (بيترزبوغ/ بطرسبورغ). رحلة المنفى في الصالونات السياسية بسان بيطرسبيرغ وبعدها في ديسمبر 1895 أُلقي القبض على لينين فقضى 14 شهراً في السجن ثم نفي الى سيبيريا لمدة ثلاث سنوات كما يطلق عليه بالنفي والابعاد الاداري حتى يناير 1900. غادر روسيا في يوليو عام 1901 وبدأ باستعمال الاسم المستعار الذي عرف به حتى موته عام 1924، حيث يعتقد البعض بان أصل التسمية يرجع لنسبته الى نهر لينا كذكرى لحياة المنفى. بدأ في اصدار نشرة «اسكرا» الشرارة تحت ذلك الاسم المستعار ثم لحقت به ناديا التي تعرف عليها في فبراير 1894، وكان قد اطلق على تلك العلاقة التعارف الماركسي لأنها شاركته في اهتماماتها السياسية وان كان يقال ان الزواج قد تم في كنيسة بالبلدة التي نفي اليها 10 يوليو 1898 ولكن لا سجل بذلك. ولم يكن الاثنان مهتمين بلبس خاتم الزواج مما ادى الى بعض المشاكل عند اقامته في لندن ابريل عام 1902 من صاحبة البيت التي رفضت ان يسكن عندها اشخاص غير متزوجين، ولكن وساطة بعض معارفه أنهت الخلاف بسلام. ولم تكن تلك سفرته الاولى، بل كان قبل ذلك قد سافر لمدة 4 أشهر الى سويسرا والمانيا وفرنسا والنمسا في ابريل 1895 حتى سبتمبر 1895. ابتدأت فترة «النفي الذاتي واللجوء السياسي» من يوليو 1900 حتى عودته مساء يوم 16 ابريل 1917 الى العاصمة بيتروغراد، كان هذا الابتعاد الاختياري الذي بلغ حوالي عقدين من عمر اجمالي بلغ خمسة عقود وثلثا، دافعه النفسي هو الخوف – بل لنقُلها من دون تحفظ – الجبن الذي عرفه عنه أقرب مؤيديه، فبينما كان في أمان المنفى بأوروبا الغربية متحاشياً السجن والمضايقة، لا يتورع ان يكلف اعوانه ومراسلي نشرته «الشرارة» الذين كانوا في خطر دائم بمهمات جسيمة من دون أدنى تفكير بسلامتهم. وحينما يُواجَه بذلك يرد ببرود: «هناك فرق بين اعضاء الحزب العاديين والقائد في مواجهة المخاطر بجميع اشكالها». وعندما سأله رفيقه ميخائيل سليفين أن الرفاق داخل روسيا يتساءلون عن مقدار شجاعة لينين كان جوابه: «أن يسمح الشخص لنفسه بان يُعتقل أو ينفى الى سيبيريا مرة واحدة مقبول. لكن ان يجرب التجربة فهو بذلك يعتبر أحمق وغبياً». (راجع كتاب لينين والبلشفية آدم أولمان 1966 لندن). وحينما كانت ثورة صيف 1905 في اوجها لم يحاول الرجوع للاشتراك في قيادتها. وفي رسالة الى قراء الشرارة (اسكرا) التي كان شعارها (من الشرارة الى الشعلة) يحاول ان يعلل ذلك: «اني لن اغفر لنفسي خوفي من الرجوع الى روسيا وهي على حافة الغليان لمدة طويلة لكن يكفي ان الثوار لا ينتظرون الثورة بل يخلقونها». الحلقة الأولى

مشاركة :