قبلة توحد العالم بقلم: شيماء رحومة

  • 1/2/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

على الجميع أن يتبادل القبل على مدار العام وأن يزرع حبا، بدل التراشق بالتهم وغرس سهام الغدر والكره في صدور الأبرياء.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2018/01/02، العدد: 10857، ص(21)] عند بدء العد التنازلي لاستقبال سنة جديدة بتطلعات كبيرة، يتأهب الجميع لطبع القبل على خدود ذويهم وأحبابهم وأصدقائهم وتبادل الأمنيات بعام سعيد على إيقاع دقات عقارب الساعة معلنة انتصاف الليل، وأظن أن لا أحد منهم فكر في سبب هذه العادة وهذا التقليد. وللأمانة إلى وقت قريب لم أبحث أو أفكر في سر ذلك فقط أرجعت سر قبلة رأس السنة إلى عاداتنا في تبادل القبل في الأعياد والمناسبات على كثرتها بأوطاننا العربية، إلى أن اطلعت على مقال يفصل القول في هذا التقليد الذي يوحد كل شعوب العالم تقريبا كل سنة وفي ذات الليلة والتوقيت. وتبين لي أن قبلة رأس السنة حبلى بالمعاني وتحمل في جعبتها قصصا مختلفة باختلاف عادات بعض الشعوب وتقاليدها وخلفياتها الثقافية والاجتماعية. وعلمت أن للقبلة تاريخا ضاربا في القدم لصيقا بنشأة حضارات عريقة، وكما يقول المثل “كل بلاد وأرطالها” -أي لكل بلاد عاداتها- حيث قيل إن الرومان هم أول من أدرج قبلة رأس السنة في عاداتهم وتقاليدهم، ثم انتقلت هذه العادة إلى عدة شعوب، من بينها الألمان والإنكليز، الذين يعمدون إلى تقبيل أول شخص يصادفونه عند منتصف الليل. لكن ليس هذا ما لفت انتباهي تحديدا فمن الطبيعي أن يتبادل جل الناس على اختلاف مللهم ونحلهم بكل ود وحب القبل معبرين عن فرحهم وتفاؤلهم بالقادم الجديد عله يكون فاتحة خير على الجميع، بل ما شدني هو ما تحمله هذه العادة من دلالات ورمزيات في عرف الكثير من الشعوب، حتى أن البعض يحرص حرصا شديدا على القيام بهذا الطقس المقدس إلى حد أن يقبل غريبا مر صدفةً اعتقادا منه أن استقبال العام دون قبلة نذير شؤم وسنة مليئة بالعقبات والصعاب. ولا أظن أن المجتمعات العربية تعي ذلك لأن القبلة في ثقافتها المحافظة تعني التعبير عن الحب والروابط الدموية والدينية، لكنها في مجتمعات أخرى تتعلق بمعتقدات تحصر الفرد الذي لا يحظى بقبلة في زاوية غير المحظوظين وتحكم على مجريات سنته قبل أن تبدأ وتسمها بالسوء وبعضها يقر بأن هذا المسكين ستتعثر كل علاقاته العاطفية والبعض الآخر يؤمن بأنه سيعيش في عزلة وكآبة طيلة العام. ومن الغريب حقا أن تحافظ هذه الشعوب المتحضرة التي ما فتئنا نردد أنها تجاوزتنا بمئات السنوات الضوئية وعيا وانفتاحا على الاعتقاد أن التخلي عن قبلة منتصف الليل يضاهي ضياع حذاء سندرلا على أعتاب أميرها الوسيم، لكن ألم يكن هذا الخف الضائع شعاع الأمل الذي لم يجعل الفتاة الجميلة تعود أدرجها بخفي حنين وكان سببا في سعادتها بقية العمر؟ من الجيد أن يخمن العالم أن هذه القبلة ترمي بسحرها على الجميع لتكسر الحواجز وتساهم في بناء علاقات متينة، غير أنه من الأفضل للكثير من الدول أن تعيد رسم الحدود على الخارطة علها تجد حلولا جذرية للإجابة عن تساؤل هذه المقولة “ماذا نفعل، إذا كان ثمة عيد واحد للقبلة وأعياد كثيرة للقتل ماذا نفعل؟”. أجل ماذا نفعل إن كنا سهونا عن قبلة رأس السنة؟ هل هذا يعني أننا خارج دائرة الإنسانية لمدة سنة كاملة نجيز القتل والحزن وتخضيب أسوار الحرية بالدماء؟ وماذا لو أننا قبلنا الأخضر واليابس الحي والميت الساكن فينا والساكنين فيه؟ هل هذا سيمنع انفراط العقد الذي يشد الناس تحت مسمى الرحمة والرأفة أم أنه سيغمر الجميع بطوفان لا بقاء فيه إلا للأقوى؟ بمعادلة بسيطة جدا نجد أنه لا قيمة لقبلة رأس السنة إذا ربطناها بما يتعارف عليه في فلكلور بعض المجتمعات، لذلك على الجميع أن يتبادل القبل على مدار العام وأن يزرع حبا، بدل التراشق بالتهم وغرس سهام الغدر والكره في صدور الأبرياء علها تكون سنة خير على كل أقطاب العالم من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه. كاتبة من تونسشيماء رحومة

مشاركة :